.... حذاء شرير🌿
الكاتب_ الشاعر أ. سيد حميد عطاالله
🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿
حِذاءٌ شَرِّيرٌ
بقلم: سَيِّد حَمِيد عَطَا الله الجَزَائِرِي
إِنَّهُ لَيْسَ حِذَاءً… بَلْ جَبَلٌ صَغِيرٌ مَرْبُوطٌ إِلَى القَدَمِ، مِنَ الخَلْفِ كَعْبٌ شَاهِقٌ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَسَلَّقَهُ حَتَّى أَعْتَى مُتَسَلِّقِي الجِبَالِ، وَمِنَ الأَمَامِ وَادٍ سَحِيقٌ يَنْتَظِرُ الضَّحِيَّةَ لِتَسْقُطَ فِيهِ. حِينَ تَمْشِي، لَا تَسِيرُ فِي الحَقِيقَةِ، بَلْ تُؤَدِّي عَرْضًا خَطِيرًا أَشْبَهَ بِالسَّيْرِ عَلَى الحِبَالِ فِي السِّيرْكِ، وَالجُمْهُورُ كُلُّهُ يَتَرَقَّبُ لَحْظَةَ الانْهِيارِ.
تَظُنُّ لِلْوَهْلَةِ الأُولَى أَنَّهَا امْرَأَةٌ عَادِيَّةٌ، لَكِنَّهَا فِي الحَقِيقَةِ مُعَاقَبَةٌ بِقَرَارِهَا: كُتِبَ عَلَيْهَا أَنْ تَمْشِيَ إِلَى الأَبَدِ عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهَا، كَأَنَّهَا تَعِيشُ عُقُوبَةَ رَقْصِ البَالِيهِ دُونَ مُوسِيقَى وَلَا تَصْفِيقٍ. كُلُّ خُطْوَةٍ هِيَ حَرْبٌ مَعَ العِظَامِ، كُلُّ مَفْصِلٍ يُعْلِنُ اسْتِقَالَتَهُ، الرُّكْبَتَانِ تَصْرُخَانِ، الظَّهْرُ يَحْتَجُّ، الكَاحِلُ يُوشِكُ أَنْ يَطْلُبَ اللُّجُوءَ الطِّبِّيَّ.
لَكِنَّ المُضْحِكَ أَنَّ هَذِهِ الكَارِثَةَ الصِّحِّيَّةَ لَا تُذْكَرُ أَمَامَ الطَّبِيبِ: "لَا يَا دُكْتُور، لَيْسَ الحِذَاءُ، بَلِ البَيْتُ وَالأَوْلَادُ وَالزَّوْجُ". لِأَنَّ الحَقِيقَةَ مُخْزِيَةٌ: كَيْفَ تَعْتَرِفُ أَنَّ قِطْعَةَ جِلْدٍ غَرِيبَةً بِارْتِفَاعٍ غَيْرِ مَنْطِقِيٍّ هِيَ الَّتِي حَطَّمَتِ العَمُودَ الفَقَرِيَّ؟
أَمَّا فِي الشَّارِعِ، فَالْعَابِرُونَ لَا يَنْظُرُونَ بِإِعْجَابٍ كَمَا تَتَوَهَّمُ، بَلْ يُرَاقِبُونَ بِفُضُولٍ شَرِيرٍ: "مَتَى تَسْقُطُ؟ مَتَى تَنْكَسِرُ؟ مَتَى نَضْحَكُ؟". إِنَّهَا لَيْسَتْ أَنَاقَةً بَلْ مُقَامَرَةٌ يَوْمِيَّةٌ عَلَى الرَّصِيفِ.
إِنَّهَا كَمَنْ يَمْشِي عَلَى الصِّرَاطِ المُسْتَقِيمِ، كُلُّ لَحْظَةٍ تَتَوَقَّعُ أَنَّهَا سَتَكْبُو كَفَارِسٍ يَسْقُطُ مِنْ صَهْوَةِ جَوَادِهِ بِلَا سَبَبٍ. وَإِذَا رَجَعَتْ إِلَى البَيْتِ مُتْعَبَةً، تَحْتَاجُ نَوْمًا أَكْثَرَ مِنْ يَوْمَيْنِ. أَمَّا أَطْفَالُهَا فَيَتَبَادَلُونَ الأَدْوَارَ: كُلُّ وَاحِدٍ سَيَلْبَسُهَا وَقْتًا يَسِيرُ فِيهَا مُقَلِّدًا أُمَّهُ، لَكِنَّهُ يَسْقُطُ بَعْدَ كُلِّ تَجْرِبَةٍ مَرِيرَةٍ، ثُمَّ يَقُولُ فِي نَفْسِهِ: "لِمَاذَا أَبِي يُعَاقِبُ أُمِّي؟ أَلَا يَخَافُ اللهَ؟".
وَيَبْقَى السُّؤَالُ العَالِقُ: هَلْ تَرْتَدِيهِ لِأَنَّهَا مُجْبَرَةٌ بِقَوَانِينِ المَوْضَةِ، أَمْ لِأَنَّهَا تَظُنُّ أَنَّ الأَلَمَ فِدْيَةُ الجَمَالِ؟ وَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ تُسَمَّى المَوْضَةُ غَيْرَ صَرْخَةٍ كَاذِبَةٍ تَبِيعُ لِلنِّسَاءِ الوَهْمَ عَلَى هَيْئَةِ كَعْبٍ مُدَبَّبٍ؟
تعليقات
إرسال تعليق