....الشقة الحلال🌿


 

 الكاتب_ الشاعر أ.إبراهيم سليمان

🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿

1- (الشقة الحلال) قصة من مجموعة قصصية حياة أقدم شعوب الأرض


   (2)                                                                       


خرج باسم من منزله تصحبه دعوات أمه ونزل على السلم بنشاط وفجأة استشاط غضبا بعد أن كان سيقع ونظر بأسى إلى درجات السلم المتهالكة وتحول نشاطه إلى كسل وخرج من المنزل بصعوبة ليواجه ضيق الشارع الذي لا يتجاوز أربعة أمتار وزحام السوق، واستطاع أن يتخطاه إلى ناصيته حيث كشك عم حامد، كان صديق والده وعلى إثر حادثة أصبح لا يستطيع السير وأن تحمله قدماه واستطاع أن يجد من هذا الكشك مصدر رزق متنوع من مأوى وملاذ ومعرفة عوضه به الله سبحانه وتعالى عن العمل السابق، أما باسم فقد كان يمثل له سراج الحكمة ومداد الصبر، كان يلجأ إليه عندما تواجهه أي مشكلة فيجد عنده من الكلمات ما يصبره على واقعه المرير كانت كلماته بسيطة ولكنها علاج لكل داء كانت كل جملة ينطقها تحمل في طياتها حكمة نافعة وكأن الزمن عوض عم حامد بعقل مستنير يستطيع ألا يسير فقط بل يطير ليناطح السحاب وكأن الزمن أيضا عوض باسم حنان الأب وحكمته بعم حامد.


كان باسم يتصفح جميع الصحف ليجد بها حلما يراوده ويراود كل شاب مثله وهو إيجاد فرصة عمل أو البحث عن شقة ووصل إلى آخر صحيفة وشرد ذهنه رغما عنه ونظر إليه عم حامد وعرف ما يدور بخلده ورأى من نظرته الثابتة أن اليأس يسري الآن بدمائه مثل كل يوم وتدخل عم حامد مناديا عليه فلم يسمع وأعاد نداءه مرة أخرى بصوت أعلى وباسم لم يسمع أيضا كأنه خرج من الشارع بل من الكون كله ولم يجد عم حامد إلا أن يضع يده برفق على كتفه فاستيقظ باسم وحرك عينيه كأنه يفتح عينيه من بعد سبات عميق وتنهد بضيق فقال له عم حامد : لا تيأس فاليأس يحمل نهاية الإنسان ولا تستسلم له.


باسم : يعلم الله أني كنت متفائلا ولكن تبدل كل شيء.


عم حامد : يا بني لا تحزن إن الإنسان في يومه يتغير مئات المرات من فرح لحزن من تفاؤل إلى اِنهزامية وتتغير نفسه من رضا إلى سخط ومن تواضع إلى غرور هذا هو الإنسان لن يتغير فلا تستسلم واستعن بالله كثيرا واستغفره يا بني.


باسم : أستغفرالله العظيم وأتوب إليه ولكني أريد أن أعمل فمضى زمن وأنا أبحث عن عمل يريحني في الحياة لأساعد أمي وإخوتي، أحلامي تتضاءل تختفي وتتوارى من حياتي، بؤرة آمالي أصبحت خاوية، عندما تخرجت من الجامعة كان الأمل يبلغ مداه ولا حدود له كنت أرى الثروة أمامي كان داخلي طموح بلا مدى بلا حدود وانتهت آمالي إلى أن سكن اليأس بنفسي ووجداني فقبلت أن أعمل أي عمل حتى ألغي كلمة عاطل من حياتي


فقاطعه عم حامد بعد أن ظل يسمعه بأعين ذابلة وقلب باك قائلا: لا تستسلم تذكر أمك.


باسم : عندما أتذكرها أموت حرفيا أريد أن أساعدها ولكن شعوري بالعجز إحساس قاتل


كانت أمه قد تحملت الكثير من الآلام وأخذت على عاتقها تربية الأبناء كان المعاش لا يكفي متطلبات الحياة وتربية أربعة أبناء يتعلمون فقامت بإيجار محل صغير قريب من المنزل الذي تسكن به، تبيع به البيض والجبن وما تنتجه قريتها القريبة من القاهرة كانت قرية تابعة لمركز قليوب وكانت تذهب في الأسبوع أكثر من مرة حيث تبتاع ما يلزم لتجارتها البسيطة، هكذا تحملت مشقة العمل ومشقة تربية الأبناء بعد وفاة الأب والعائل وأكبر الأبناء لا يتجاوز العشر سنوات، ها هي الأم تقف أمام الطوفان وتتحدى أنوثتها وتنزل إلى ميدان العمل وبالرغم من قسوة الحياة ولا سيما حياة الأسواق هذه الحياة الخشنة العسيرة التي تتطلب على من يعيشها سمات في شخصيته تناسب هذه الحياة ولكنها لم تتغير تجاه أبنائها ظلت كما هي حانية تحب أولادها وتعطف عليهم وتخاف عليهم من هذه الحياة الجديدة التي تعيشها بمفردها.


بعد أن ودع باسم عم حامد انطلق سريعا حتى يستطيع أن يصل إلى عمله في موعد العمل لا تتعجب صديقي القارئ فقد كان يعمل موظفا بوزارة الشباب فقد تم تعيينه منذ أقل من عام تعيينا مؤقتا والمرتب لا يتجاوز مائتي جنيه وعمره يقترب من سبعة وعشرين عاما


كان باسم الوجه طيب القلب كل من يعرفه يحبه في عمله. 


وعندما دقت الساعة دقتين تعلن موعد انتهاء العمل الكل كان مستعدا وجاهزا للانصراف ورحلة العودة لا تختلف عن رحلة الذهاب إلى العمل نفس المشقة وذات الطريق، وفي رحلة العودة سرح كثيرا وهمس إلى نفسه كثيرا، مرت عليه حياته لحظة بلحظة وإخفاق بإخفاق وسرى بداخله إحساس تغلب على قوته وحكمة عم حامد كان يمر عليه شريط ذكرياته مطبوعا عليه صورة أمه، وأكمل المسير بقدمه فقط حتى وصل إلى كشك عم حامد فألقى عليه السلام ثم مر في شارعه بصعوبة ولكنه لم يشعر بالضيق كعادته كان يسير هائما بالرغم من أصوات الباعة والسيارات الحزينة المخنوقة من ضيق الشارع واخترق كل هذه الحواجز وصعد إلى منزله وكانت تظهر عليه علامات الإرهاق، كان عمله غير شاق ولكن كل الظروف التي تحيط به هي القاسية، أراح جسده على الفراش لينام ويؤجل التفكير في مشكلة الشقة ولكن لم تطاوعه عيناه وأحاطت به الأفكار الشاردة والأحلام الهاربة التي ظل يطاردها وتطارده كثيرا ولكن بلا جدوى واستمر أكثر من ساعتين هكذا يتنقل بعينيه بين سقف الحجرة وجدرانها وبعقله بين أحلامه العريضات والواقع المرير، دخلت عليه أمه بعد أن طرقت الباب بلا مجيب، تفاجأ بوجودها بعد أن سمع نداءها عندما اقتربت منه قائلة:باسم أما زلت مستيقظا ومرت لحظات وأجاب بنعم يا أمي فقالت :ماذا بك يابني لماذا لم تنم استعن بالله وقم للصلاة، وقام للصلاة بعد نصيحتها له بالصلاة والدعاء، وبعد إتمام الصلاة دخل إلى شرفة حجرته كانت الساعة تشير عقاربها إلى الخامسة،


ونظر إلى أسفل فوجد حركة السوق قد هدأت وتقترب إلى السكون، الكل يمشي بتأني وضعف الحالة تغيرت، القوة زالت من مملكة الإنس والطبيعة بدأت تستكين، وقاطعت أمه تفكيره بندائها عليه : هيا... الغذاء مُعد الآن ودخل إلى حجرة أمه وهي ذاتها حجرة الطعام وجلس متربعا على الأرض وأمامه منضدة خشبية مستديرة تقترب من الأرض يطلقون عليها طبلية.


  وقال باسم متعجبا : ما سبب تسميتها طبلية يا أمي؟ فأجابت ضاحكة لأن من سيأكل عليها من طعامي ويعجبه سيطبل لي فضحك باسم وسألها :وإن لم يعجبه فقالت :سأطبل أنا على رأسه حتى يعجبه وبعد الضحكات سأل باسم عن إخوته فأجابت: صاعدين السلم يا بني كانوا يلعبون الكرة في الأرض التي بجانب موقف الأتوبيس لا أعرف ماذا أفعل معهم كل يوم لعب.


فرد عليها باسم : اتركيهم يا أمي يعيشون طبيعة سنهم اتركي ياسين يودع حياة الشباب هذه آخر سنة له في الجامعة فقالت ربنا ييسر الحال لكم جميعا


قطع حديثهما دخول ياسين وطه ويوسف وسلموا سريعا وذهبوا ليغتسلوا ثم أخذوا أماكنهم حول الطعام 


وبدأ الغذاء نظر ياسين إلى باسم وقال : لماذا كل هذا الحزن الذي يظهر على وجهك يا باسم قاطعته أمه:لماذا هذا السؤال إنه في أحسن حال فأكمل ياسين : موضوع الشقة يا باسم فرد باسم : أنا حزين فعلا يا أمي نعم يا باسم موضوع الشقة فقالت أمه: الصبر يا بني


باسم : كيف يا أمي وأنا راتبي لا يكفي شيئا وكيف لي أن أدخر ثمن شقة وأنا كل ما أستطيع ادخاره خمسين جنيها كل شهر


وصمتوا جميعا، قاطعت الأم فترة الصمت بتنهيدة طويلة مع كلمات طه : عليك بإسكان الشباب ومشروعات الحكومة ورد باسم بعد ان لمح بصيصا من الأمل في كلماته :سيأتي ماهر صديقي في المساء ثم نذهب للقاء أستاذ محمود جاره الذي يعمل في وزارة الإسكان


الأم : ربنا معك يا بني وفتحت يديها استعدادا للدعاء فنظر لها باسم بطرف عينه وهي تدعو له فتذكرت... ثم أكملت وربنا يرزقك بالشقة الحلال.


دقت الساعة سبع دقات متتالية وملأ أرجاء الشقة اسم باسم معلنة وصول صديقه ماهر


ورد عليه باسم من الشرفة وهبط سريعا على السلم وبعد السلام بدأ الكلام في موضوع الشقة والمستقبل واستمرا في الكلام إلى أن وصلا إلى المقهى المنشود وتعارفا سريعا ودار هذا الحوار


ماهر: باسم كان يريد أن يعرف أخبار إسكان الشباب يا أستاذنا العزيز


أستاذ محمود: "عال" الوزارة ستعلن بمشروع جديد الأسبوع القادم


باسم بعد تردد: وما هي تفاصيل وشروط التقديم 


أستاذ محمود: المساحة خمسة وخمسون مترا، خمسة آلاف جنيها عند التقديم وخمسة عند الاستلام وثمانية أقساط ربع سنوي بألف جنيه للقسط ومائة جنيه شهريا لمدة عشرين عاما


وبعد سماع هذه الشروط خرج باسم من دائرة الحديث تاركا صديقه وأستاذ محمود يكملا الحديث بمفردهما ولم ينبت ببنت شفة، كان جالسا بجسده فقط


وبعد أن عاد باسم إلى منزله، خرج إلى الشرفة، وبعد أن جلس فكر في كلام أستاذ محمود، أمامه أسبوع والمبلغ المطلوب خمسة آلاف جنيها وبحركة لا إرادية دخلت يده إلى جيبه وخرجت ومعها خمسة جنيهات هي كل ما في جيبه وغلبه اليأس وتملكته الحيرة ونظر إلى آخر الشارع حيث كشك عم حامد ونظر مرة أخرى إلى الخمسة الجنيهات ..........


هيا لنكتب تقريرنا يا حور ولم يسمعه حور وأعاد الكلام مرة أخرى ثم نظر إلى عينيه وقال :من بعد أن أصبحت في هيئة البشر أراك تعاطفت وأصبحت مثلهم، عيناك بدأت تعرف الدمع ونحن لا نعرف الدمع أبدا وهذه المشاعر، لقد أصبحنا على هيئتهم ليساعدنا ذلك في أداء مهمتنا اِحذر ثم اِحذر


حور : شعرت بإحساس مختلف غريب، أنت تعرف بأن لنا بعضا من الحواس المشتركة مع بني الإنسان لكن لا أعرف، هناك مشاعر جديدة مختلفة تجتاحني.


بور : تريث ولا تندمج مع هذه المشاعر اطردها الآن منك سريعا


حور: نعم معك حق


ثم سرح مرة أخرى ونظر إلى السماء وانشغل الفكر ظل هائما ثم فجأة كأنه أفاق من نومة طويلة وقال بصوت مرتفع : إن اليبس في أرضهم كثير جدا والصحاري مساحتها شاسعة ليس لها آخر لماذا لا يستفيدون بها لماذا يسكنون هكذا في زحام العشوائيات كما رأينا ما المشكلة؟


نظر بور إليه غاضبا وقال: عُد إلى رشدك وإلى مهمتك، لم نأتِ إلى هنا لنحل مشكلاتهم نحن في مهمة لا بد من إنجازها سريعا.


وبعد أن أتما تقريرهما ذهبا ليخلدا إلى النوم في انتظار تقرير جديد .......


 


انتهت قصة الشقة الحلال ولم تنتهِ قصص حياة أقدم شعوب الأرض ......



 


إبراهيم سليمان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))