.... دموع 🌿


 

 الكاتب_الشاعر أ.  سيد حميد

🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿

دموعٌ في جيوب الفقراء

 بقلم: سيد حميد عطاالله الجزائري


تسقط الدموع خفيةً،

لا على الخدود،

بل في الجيوب المثقوبة،

حيث لا منديل يُمسح بها،

ولا يد تمتد للعزاء.


إنها دموعٌ لا تُرى بالعين،

بل تُسمع وهي تهطل،

كأنها تساقط الرماد

من أجفانِ جائعٍ يحلم برغيف،

أو كأنها صدى الطرقات

على أبوابٍ لا تُفتح.


جيوبُ الفقراء ليست من قماش،

إنها حُفرٌ سحيقة

في ذاكرة العالم،

خُيطت بخيوط الصبر،

وزُرّت بأزرار الانتظار،

تسكن فيها العملات التي لم تولد،

والأمنيات التي لم تنضج

في أرحام الصباح.


دمعةٌ في جيب فقير

تساوي قصيدةً لم تُكتب،

متحفًا من الأحلام المؤجلة،

جنازة لطفلٍ مات قبل أن يتعلّم البكاء،

وأمًّا تغلي الماء بدل الطعام

لتوهم أبناءها أن العشاء قادم.


وربما الشيء الوحيد

الذي يظل سالمًا هو الجيب،

فثوبه يروي صراعاته

مع إبرة الخياطة،

التي تعالج شقوقه

بطعناتها النجلاء.


في جيوب الفقراء

مرايا مكسورة من أحلام الآخرين،

يعلّقون فيها صور الأمل

بحافاتٍ صدئة،

ويلتقطون الضوء المتساقط

من نوافذ الأغنياء

كما تلتقط الشحاذة ضوء القمر

في كأسٍ بلا قاع.


جيوبهم مكتبات مهترئة،

كل كتابٍ فيها عنوانه: "غدٌ مؤجَّل"،

كل صفحةٍ ملطخة بطين الطريق،

وكل سطرٍ يُروى بالدمع لا بالحبر.


ذات مرة،

ابتسم فقير وهو يخرج

من جيبه ورقة خضراء باهتة،

كانت قصاصة من جريدة قديمة،

كُتب فيها: "العدالة فوق كل شيء"،

ضحك، ثم أعادها إلى جيبه

كمن يُعيد نعش أبيه إلى التراب.


جيوبهم قبور صغيرة،

يُدفنون فيها وهم أحياء،

يدسّون وجوههم

حين يغلبهم الخجل من السؤال،

ويُخفون صلواتهم الممزقة

كي لا تراها السماء،

فتظن أنهم يطلبون الكثير.


دموعهم لا تسيل... بل تُخبّأ،

لأن الفقير تَعلّم أن يكون

أنيقًا في انكساره،

مرتبًا في حزنه،

هادئًا كطيفٍ يتجوّل

بين المتاجر الفاخرة دون أن يفتح فمه.


جيوبهم تعرف معنى الإباء،

تعرف أن الجوع لا يُعالج بالمذلّة،

وأن الخبز إذا جاء برصاصة

فهو أشبه بالحجارة.


جيوبهم لا تُميّز

بين الدولار والغبار،

وبين الفراغ واللاشيء،

إذا امتلأت فمن الدموع،

وإذا فرغت،

فليس من الدموع.


دموعهم ليست من ملح،

بل من نارٍ تشبّ

كلما مرّت بجانبهم شاحنة طحين

لا يعرفون من أرسلها،

لكنهم يعرفون

أن أسماءهم لم تكن ضمن القوائم.


في جيوبهم

تنام أوراقٌ لم تُكتب بعد،

شهادات ميلاد لأحلامٍ لم تولد،

وعناوين بيوت

لا يسكنها أحد إلا الغبار.


تلك الجيوب...

خزائن للكرامة،

قناني صغيرة

مملوءة بنداءاتٍ صامتة،

أجراس لا تُقرَع،

لكنها ترجّ قلب العالم

كلما مشوا في الشارع.


دموعٌ في جيوب الفقراء...

ليست نقطة ضعف،

بل طقوس بقاء،

ليست شكوى،

بل أناشيد لسماءٍ

لا تُنزل المطر

إلا بعد أن تُفتّش الجيوب

عن معنى للغيث.


فهل جربتم

أن تضعوا آذانكم

قرب جيب فقير؟


ستسمعون كل القصائد

التي لم تُقرأ،

وكل الأغاني

التي لم يُسمح لها أن تُغنّى،

وكل الصلوات

التي طارت قبل أن تصل إلى الربّ...

فوق سحابٍ محشوٍّ بالدولارات.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))