.. ليلة الرحمة🌿


 

 الكاتب_ الشاعر أ.عبد الفتاح الطياري

🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿🌿

ليلة الرحمة

نامت المدينة تحت سماء داكنة مرصعة بالنجوم مثل بحر من الماس المنثور. هب نسيم خفيف على الشوارع المهجورة حاملا معه همسات الدعوات السرية وقلوب مستغفرة. كانت ليلة النصف من رمضان، تلك الليلة التي قيل فيها انفتحت السماء وتدفقت الرحمة الإلهية على الأرض الصامتة.

في مسكن متواضع، في قلب الحي القديم، وقف رجل ينظر إلى اللانهاية السماوية. كان وجهه يحمل علامات الزمن، وعيناه، تلك الشاهدة الصامتة على ألف ندم، أشرقت ببريق أمل هش. كان قد وضع للتو سجادة صلاته، وفي سكون الليل، لم يكن هناك سوى وهج مصباح زيت يرقص على الجدران. ثنى ركبتيه، ووضع جبهته على الأرض الباردة، وترك روحه تتكلم حيث لم يعد للكلمات قوة. اختلطت تنهداته مع ريح الليل، وفي الخفا شعر بحضور ناعم ومغلف. يتذكر كلمات والدته عندما كان طفلا: 

 في هذه الليلة يا بني ينظر الله إلى عباده بالحب، فيغفر لمن أتاه بقلب صادق. إنه يمحو الأحزان ويخفف الدموع. لذلك صلى الرجل، ليس بلسانه، بل بثقل أخطائه، بتعب روحه بهذه الرغبة المشتعلة في أن يولد من جديد تحت سماء أكثر اعتدالا. لقد صلى من أجل أولئك الذين آذاهم، ومن أجل أولئك الذين فقدهم، ومن أجل الطفل الذي كان عليه والرجل الذي لا يزال يأمل في أن يصبح.

وفي الخارج، أذن مؤذن منفرد للصلاة، فمزق الليل بلحنه الحزين. فتح الرجل عينيه، وسقطت دمعة بلطف على خده. وأخيرا، استقر السلام بداخله، خفيفا مثل ريشة تحملها الريح.

كانت ليلة النصف من رمضان تتلاشى شيئا فشيئا، حاملة معها ثقل النفوس التائبة، وفي الأفق شعاع أول من النور يعلن فجر يوم جديد.

بقلمي عبدالفتاح الطياري 

تونس

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))

يا من تراقبني بصمت