قطار الاتجاه المعاكس

 🌱🌱🌱🌱🌱🌱🌱

الشاعرة غزلان شرفي

تكتب

🌱🌱🌱🌱🌱🌱🌱🌱


🌿✨️🌿✨️🌿✨️🌿✨️🌿

**قطار الاتجاه المعاكس**


وهو ينتظر انتقال الإشارة الضوئية إلى اللون الأخضر،في الملتقى المداري الذي يتوسط أحد أكبر شوارع العاصمة الاقتصادية "الدار البيضاء"، وقعت عيناه على الملصق الإشهاري الذي يحتل جزءا كبيرا من جانب البناية المقابلة،والذي تُعرٓض فيه "فيلات" نصف مجهزة للبيع في مدخل المدينة الشرقي بثمن لم تسعفه مداركه الرياضية البسيطة لقراءته؛فأفسح المجال لابتسامة تهكمية كي تحتل شفتيه في تناقض صارخ مع نظرة البؤس التي استوطنت عينيه مذ اضطر لمغادرة مقاعد الدراسة ،والخروج لمعترك الحياة باكرا،قصد التقاط رزقه ورزق والدته وأخته بعد رحيل الأب عن الدنيا دون سابق إنذار أو تمهيد.

قطعت عليه حبل تفكيره أبواق السيارات المزعجة ،فانطلق بدراجته ثلاثية العجلات وهو يتمتم:

-فيلات للبيع ؟!  لا داعي لتبذير الأموال في الملصقات الإعلانية،لابد وأنها بيعت وهي لاتزال في التصميم..... آه يابلد آه!

أشارت له سيدة ثلاثينية بإلحاح،فأوقف دراجته عند ناصية الطريق،طلبت منه بصوت متهدج،وهي تمسح بكم جلبابها حبات العرق المتساقطة من جبهتها أن يقلها إلى محطة القطار ،مشتكية من سوء معاملة سائقي سيارات الأجرة،ومن ازدحام الحافلات وانعدام الأمان فيها .

رق قلبه لحالها،فأفسح لها المجال للركوب،وانطلق عبر شارع فرعي مبتعدا عن الزحام ،وإن كانت محاولته للفرار من فوضى الأفكار التي سيطرت على عقله لم تكلل بالنجاح...فعيد الأضحى على الأبواب،وهو لا يملك ربع ثمن الأضحية،ودائما مايشيح بوجهه بعيدا عن نظرات أمه القلقة حين تتصدر مشاهد الأضاحي في الأسواق الأخبار الوطنية.

-تبا لكم! تصرون على تذكيرنا بعجزنا وقلة حيلتنا ،حتى لو حاولنا التناسي نجدكم في عقر بيوتنا تستعرضون علينا عضلاتكم.... ألا بئسا لكم... بل بئسا لي... بئسا لي..

‏أمام هيجانه العاطفي ، لم يشعر بتلك الحركة المباغتة خلفه، حتى انتشلته من حُمى الأفكار برودة غريبة أصابت أذنه اليسرى بالخٓدٓر،استغرق الأمر منه بضع ثوان ليدرك أن ما لامس قفاه لم يكن سوى نصل سكين مدبب....تعالى خلفه صوتها الذي بدا بغيضا،وقحا وهو يطلب منه بكل صفاقة حافظة نقوده وهاتفه المحمول.. انفلتت منه ضحكة عالية أخرجت المرارة القابعة في أعماقه، ومد إليها حافظة جلدية مهترئة تكشف ثقوبها الكثيرة عن خلوها من أي قطع معدنية أو أوراق مالية ،أما بخصوص الهاتف المحمول ،فقد اعتذر منها بسخرية لأنه لم يقتنِ واحدا بعد تعطل الأول.

صبت عليه جام غضبها ،وكالت له من الشتائم أقذعها،ثم ترجلت بسرعة وجرت في الاتجاه المعاكس.

صرخة مدوية تعالت مع سرب السنونو إلى الأعالي،وأخرجته من حالة الذهول التي تلبسته بعد مغادرتها،تحرك بدراجته على مهل لاستطلاع الأمر،فوجدها ممددة على الأرض مضرجة في دمائها بعد تعرضها لحادثة سير فر مرتكبها في غياب شهود عيان في هذه المنطقة المعزولة. نظرة الرجاء في عينيها جعلته ينحني عليها ،ويحملها ليضعها خلفه ممددة في صندوق البضائع،وينطلق بها بأقصى سرعة نحو المستشفى ،وهو  يتساءل :تراها تفلت من قطار الموت ،بعد أن كانت تدعي الرغبة في اللحاق بقطار السفر؟!


✍️غزلان شرفي 

المملكة المغربية

🌱✨️🌱✨️🌱✨️🌱✨️🌱✨️🌱

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))