بوفيه مفتوح






الأديب  / أحمد عيسي  / يكتب

 بوفيه مفتوح

بقلم/ أحمد عيسى

في منطقة موغلة في الشعبية، غارقة في العشوائية، كأبي قتادة والمرج والمطرية، تلوح لنا أسر كثيرة يجمع كلاً منها سمات مميزة تغلب على عُظْم أفرادها.

فمنها الأسر التي يتعلق أفرادها -رغم رقة حالهم- بالملابس والأزياء وموضاتها على أشد ما يكون الاهتمام.

ومنها كذلك أسر تهتم بصيحات الموبايلات متابعة وتبديلاً، شراءً وتغييراً، ومنها من تتسم سلوكيات أغلب أفرادها بالمبالغات والأوهام التي ربما تاخمت الكذب، أو عانقت الأحلام.

قصتنا عن أسرة من هذه الأُسر رقيقة الحال، يأسرها الطعام؛ نظراً واشتهاءً، تذوقاً وأكلاً، تطفلاً أو شراءً، يستخف أفرادها أريج الفواكه وعبيرها، ويهز كِيانهم فوران المرق وأزيزه.

وتعصف بأركانهم رائحة الشواء، وتفتنهم المحافل والموائد في مروءتهم، وتراودهم المآدب والدعوات المفتوحة عن تعففهم وكرامتهم.

تتمنى هذه الأسرة أن يكون العام كله رمضان؛ لا للصيام والقيام، والزهد والتقشف وتلاوة القرآن؛ بل لأنهم لا يكادون يطهون شيئاً أو يطبخونه في يوم من أيام رمضان الكريم، ولا في ليلة من لياليه الفوَّاحة العطرة.

هذه الأسرة المكونة من: الزوج، والزوجة، والابن، ينطلق ثلاثتهم قُبيل شهر رمضان الكريم، متجولين يتابعون إعلانات الموائد، وحين يستهل الشهر الكريم يقسِّمون أنفسهم كل واحد منهم يذهب إلى مائدتين وقت الإفطار، وإلى أخريين قبيل السحور.

يبدأ كل واحد منهم بالمائدة الأسرع في إعداد الإفطار وتقديمه، ثم يُثنِّي ثلاثتهم بمائدة أخرى ترجئ الإفطار إلى ما بعد صلاة المغرب، ويصنعون قريباً من هذا المسلك مع عامر موائد السحور المبذولة والمبثوثة.

وهم لا ينسون نصيبهم من دنيا الادخار وحمل أشياء من غنائم الموائد إلى البيت مما خفَّ وزنه، وغلا سعره، ولذَّ طعمه!

يروح كل واحد منهم قُبيل الإفطار والسحور خميص البطن جوعان، ويعود بَطِناً كسلانَ ريَّان، ثم يغفو ليهضم ما التهم فإذا هو عبد مقهور لسلطان النوم لا يوقظه إلا قرب السحور ودنو الفجر.

هكذا يمضون رمضان كله في تناوب وتنافس لا يُحسدون عليه؛ لذا ففرحتهم بمقدم شهر رمضان تربو مراتٍ على فرحتهم بعيد الفطر، ففي العيد إيذان بانتهاء الموائد، وتقويض عروش المآدب، وبالعود إلى حياة رتيبة لا تُقام فيها مآدب طعامٍ إلا لمِاماً.

الشخصيات:

الأب: شوقي شومان.. عالي البنيان، ضخم الجثمان، كبير الأذنين، غائر العينين.

الأم: شوقية.. سمينة العود، متوسطة الطول، يزيد مقاس ما ترتديه كل عام رقماً أو رقمين، وينمو وزنها كل أسبوع رطلاً أو رطلين.

الابن: شومان.. صنو أبيه إلا أنه جاحظ العينين، لا تفارقه ابتسامة عريضة بريئة تكسبه شيئاً من البلاهة مع مخايل طفولة متأخرة.

وإلى أحداث القصة..

شوقي: تأخرنا اليوم شويتين على المائدتين.. الفطار والسحور.

شوقية: نبدّر بكرة حبتين.. ونروح بعد العصر بساعة ولا اتنين.

شومان: السنة دي موائد رمضان لا تخلو من زحام على الطعام.

شوقي: الرجل الهُمام يحقق أهدافه بالتمام من غير رغي وكتر كلام.

شوقية: متنسوش.. أهم حاجة.. نعمّر النهاردة التلاجة.

شومان: ومننساش كمان شيء آخر.. عندنا مكان لسه في الفريزر.

شوقي (متثائباً): الآن إلى الراحة والهضم والنوم.. ما ألذ رمضان وأجمل الصوم!

شوقية: صدقت يا أبو شومان.. يا ريت السنة كلها رمضان!

شومان: بحب الشهر الكريم.. لا خسسان فيه ولا رِجِيم.

شوقي (بعد قليل يرى نفسه متصفحاً جريدة يومية): ياه.. إنها فرصتي وحلم حياتي!

شوقية: ايه عندك هناك.. إعلان عن لحم ودجاج.. ولَّا تكون تشكيلة أسماك؟

شومان: يمكن إعلان عن وجبة جمبري وحمام.. أو كبدة وكفتة وكباب؟

شوقي: اجهزوا بسرعة عشان نروح.. ده إعلان عن بوفيه مفتوح!

شوقية: طيب والنوع ده من الأكلات.. فيه أماكن للسيدات؟

شومان: طبعاً يا ست الحبايب.. والغايب ملوش نايب.

وفي البوفيه المفتوح..

شوقي (متلمظاً مُتعباً من كثرة الأكل): ما لي النهارده.. أنا مش طبيعي.. مش دي أكلتي.. ولا ده أدائي.

شومان (مداعباً لأبيه): بابا.. تَقِّلت ولا إيه.. شكلك عجِّزت يا بيه!

شوقي: آه.. نَفَسِي.. هوا هوا.. بيبسي بسرعة.. سفن أب أو فوَّار.

شوقية: سلامتك يا شوقي.. دي عين وصابتك يا جملي!

شومان: بابا.. ما لك بجد.. وشّك بقى ألوان.. يا ناس الحقونا أوام.

شوقية: ما لك يا راجل.. يا لهوي يا مصيبتي.. يا ناس انجدو جوزي شوقي!

شوقي (بعد طوارئ إسعافية وعملية جراحية):

آه.. فين شوقية؟.. فين شومان؟.. وايه اللي على بطني ده كمان؟!

شوقية: سلامتك يا سبعي.. كلنا فداك يا عمري...!

شومان: بابا.. بيقولو بره: لا حركة ولا كلام ..لا طعام ولا ماء.. حالتك تدبيس معدة واستئصال أمعاء.

شوقي: اخرس.. يا كداب يا عبيط يا بهيم.. أنا معدتي بومب.. وجسمي سليم!

شوقية (باكية): خلاص يا شوقي ارضَ بالمكتوب.. عصائر ومسلوق.. وإبر في العضل وحبوب.

شوقي (صارخاً): لا.. لا.. اسكتي يا وليّة.. حرام عليك يا شوقية..

يا رب فرصة واحدة أخيرة نهائية.. حرَّمت حرَّمت طفاسة ودونية!

شوقية (تُفيق على صرخات زوجها النائم بجوارها في البيت):

شوقي، ما لك.. اللي بيك.. قلقتنا عليك.. قوم دوغري على المائدة واحنا في رِجليك.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))