كان وأخواتها.






الأديبة  / أمل العناب  / تكتب


 كان وأخواتها.                    أمل العناب/بغداد


  طفلة صغيرة الحجم ،نحيلة بجدائل مربوطة بشرائط بيضاء، أجلس في المقعد الأول دائما.. في الصف الخامس الإبتدائي حين كانت المدارس بأجمل حالاتها..

  الدرس الأول قواعد اللغة العربية، معلمتنا الأستاذة خولة

جميلة ومحبة، حضرت وأخبرتنا أن مشرفة (مفتشة)ستحضر للصف، قالت بحنان : لا تخافوا..لا ترتبكوا..ثقوا بأجوبتكم..أنتم أذكياء ومجتهدون ..

   ست خولة تشبه نجمات السينما.. أتذكر شكلها في ذلك اليوم البعيد.شابة نشيطة .شعرها القصير ملفوف إلى الخارج مثل حرف الراء..رموشها الكثيفة..ثوبها الأزرق سماوي مطبوع بكرات بيض يصل الى ركبتيه، وبنصف كم.

   حسنا..حضرت المشرفة!! سيدة أنيقة جدا..كبيرة السن.مهيبة المظهر .تجمع شعرها الأشيب إلى الخلف وترتدي طقما أسود بثوب ضيق وفوقه معطفا صيفيا بنفس طول الفستان.. تحتذي حذاء بكعب عال أسود وتحمل حقيبة سوداء لامعة أيضا ..حينما دخلت ألقت السلام علينا.. فوقفنا باحترام ورحبنا بها.. أذنت لنا بالجلوس.. جلسنا وعم الهدوء، وجلست هي في آخر مقعد في الصف، تصغي. 

  درسنا الجديد..(كان وأخواتها)..

  قسمت ست خولة اللوح قسمين بعدما كتبت العنوان في أعلاه..كتبت جملا في النصف الأيمن..ثم أخرى في القسم الأيسر من اللوح  بعد أن أدخلت  مفردات كتبتها بالطبشور الأحمر  لأول مرة نراها ولا نعرف ماهيتها. 

 كان وأخواتها..

   عرضت الدرس وشرحت وأوضحت ، أعادت وكررت، 

بالنسبة لي فهمت كل ما قالت.. كنت أحبها وأحب اللغة والقواعد جدا.. أكملت الأستاذة الدرس وسألتنا لمرات ونحن نجيب على أسئلتها بثقة.. كان درسا مدهشا وجميلا.. 

  نهضت السيدة  المشرفة وتقدمت بخطوات قرب اللوح، وسألت: من يمكنه إعراب هذه الجملة ؟ أشارت إلى إحدى الجمل المكتوبة بالطبشور الأحمر.. 

  رفعت اصبعي النحيل..فأشارت لي بالموافقة..

  اتجهت إلى اللوح وأخذت المسطرة وأشرت وأنا أعرب بصوت عال وواضح

كان: فعل ماض ناقص يدخل على المبتدأ والخبر.

الربيعُ: مبتدأ كان مرفوع وعلامة رفعه الضمة الظاهرة في آخره. 

جميلا: خبر كان منصوب وعلامة رفعه الفتحة الظاهرة في آخره. 

أصغت المشرفة والمعلمة والتلاميذ.. قالت المفتشة..صفقوا لها، فصفق الجميع!!

  لكنها استدرت قائلة : ما اسمك؟ ..أجبتها :- أمل..قالت:  يا أمل( كان) حين تدخل على المبتدا يسمى اسمها ولذلك الربيع اسم كان! 

أجبتها بثقة : لا..الربيع مبتدأ كان !

قالت: حسنا.. هو مبتدأ حين نبدأ به الكلام . ولكنه صار الآن اسم كان..قلت لها..لا هو مبتدأ كان!

 راحت تقنعني بالأمر بتفهم وروية.ولكن بلا جدوى.. 

أتعبت قلبها جدا  كي تقنعني فما اقتنعت!! أنا أصر أنه مبتدأ كان وأحاول أن أقنعها بذلك.

 في آخر المطاف شكرتني وطلبت من التلاميذ أن يصفقوا لي فصفقوا وعدت إلى مقعدي  وأنا أشعر بالفخر والثقة..

انتحت السيدة  المفتشة بست خولة وتهامسن للحظات ثم  استأذنت بعدها  وانصرفت بترحاب آخر من قبلنا. 

   عادت ست خولة لتقف كالشمس في منتصف الصف..أعادت الإعراب لتؤكد هذه المرة أن الربيع اسم كان..وأعادت ذلك مرات عديدة، ثم طلبت مني إعراب الجملة أمام التلاميذ فأسرعت نحو اللوح وأعربتها..وكان الربيع اسما لكان في هذه المرة !

سألتني بعتب جميل : لماذا أعربتيه أمام المفتشة مبتدأ كان قبل قليل؟؟

أجبتها بكل براءة : لأنك الآن قلت انه اسمها..فهو اسمها بالتأكيد !

ابتسمت معلمتي..وصفق لي الصف للمرة الثالثة وعدت منتصرة أيضا.. 

لم تؤنبني..لم تتحامل علي..وكانت درجتي في اللغة هي الأعلى

الأهم من كل ذلك..أنني مازلت اتذكر أستاذتي بحب وشغف..وأعتقد أنني من خلالها أحببت اللغة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))