نبض في ضوء القمر:







الأديبة  / أناستاسيا امال  / تكتب 


 نبض في ضوء القمر:

لازلت أراه خلف أطواد الهجر والفراق، ذلك الفارس الذي ضحى بنفسه لإهدائي الحياة كالبقية، وأنا أستثني نفسي عن البقية، ولكنه كان يجهل أنني مت يوم تشبثت به بعد أن فارق الحياة بمئات السنين، وسبقته إلى مثواه الأخير، أنا الآن مجرد طيف يحيا بذكره، ويستنشق عطره الخالد في تلافيف الروح، كم أناجيه في الظلام وأستشعر وجوده في النور، لأنه كان قبس نور، أقتبس منه سر وجودي، وأشحن به نبضي الخافق باسمه في الدقيقة أكثر من تسعين مرة، ثم أُسأل عن مقدار حبي له، أو عن سبب عيشي على ركام ذكراه........

لم أعد أحتمل وضع خطاي على أرض هو تحتها، وكم تمنيت أن أعيش هناك بجانبه، وإن كان لكل منا شأن يغنيه، يكفيني عزاء أنني بقربه فقط، ربما سيهوّن علي ذلك الكثير والكثير من كل معاناة أو عذاب.......

ومازالوا يسألونني عن مكانته عندي، فأعجز عن تحجيم كمية المحبة التي أكنها له......، لقد تجاوزت عبلة والمياسة وليلى ولبنى، وتلك القائمة الطويلة من النساء اللواتي حفلت بطون التاريخ بملاحم حبهن، على الأقل كان لهنّ نصيب  ممن أحببن، لكنني، أحببته بعدما سمعت عنه، وتعلقت به كثيرا لأنه وهب نفسه لسعادة غيره، وأنا كنت ضمن ذلك الغير...، وهذا جد كاف بالنسبة لي، أظنه كذلك...........

بالله عليكم أخبروني لم لا أحبه وأقدره وهو كل شيء بالنسبة لي، ولن أخونه أبدا، وإن كان لا يعلم عني شيء.....

هذا ما ميز نبضي وجعله مباركا خالدا له دون منازع......

أناستاسيا آمال


نبض في ضوء القمر02:

"كنت أراقب معاناتها من بعيد بحب أقر أنه من طرف واحد، وهي تحاول إخفاء ملامح الشوق والحنين والحرمان القاسية، لقد كانت تذبل شيئا فشيئا، وأنا عاجز تماما عن تقديم المساعدة لها، وهل بإمكاني ذلك؟!"، رد عليه صديقه:" لم لا تصارحها بمشاعرك، وتطوي المسافة الطويلة بينها وبينك؟"، قال:" حاولت التقرب منها والبوح لها بذلك، لكنها كانت لا تفتح لي المجال، وسرعان ما تحافظ على هوة سحيقة بين نبضها ونبضي، آه يا صاح كم أتألم لألمها، وأتعذب لعذابها، وليس بإمكاني فعل شيء عدا الاكتفاء بمراقبتها وتمني ما لن يكون"، قال له:" من فضلك لا تقل لن بل لم، فأنت لا تعلم حيثيات الغيب، ربما ستظفر بها بعد شوط إضافي من الصبر"، تنهد بأنفاس ملتهبة قائلا:" أرجو ذلك يا صاح"، ومرت الأيام تتمدد بثقل وطئها عليه، حتى علم والده بحقيقة مشاعره، فقصد أباها وفاتحه في الموضوع، وفي المساء أخذ ابنه في جولة ليخلصه من شبح عزلته القاتل، ولما أراه البدلة التي طلبها له ذهل وسأله:" وما المناسبة يا أبي، هل أنت مقبل على فرح ما؟!"، فأجابه بما أقعده على الأرض:" نعم يا بني الغالي، إنه فرحك الذي طال انتظارنا له"، هم بسؤاله فقاطعه:" لقد وافق السيد عامر على طلبي، وأخيرا ستتزوج بمنية الروح يا غالي"، ازدادت دهشته ليقول:" وهل وافقت ابنته مي بسهولة، أم أجبرها"، قال:" يكفي أنها لزمت الصمت، وهو علامة الرضى والقبول، أليس كذلك يا بني"، رد عليه" بلى، فهل حددتما موعد الزفاف؟"، قال:" الأسبوع القادم، لذا جهّز نفسك، واعتن بصحتك حتى تكون البدلة السوداء مناسبة تماما لك"، سعد كثيرا لدرجة أنه حمل والده عاليا مرددا:" كم أحبك يا أبي، كم أحبك".

وزارت عائلته بيتها، وقامت بالواجب وهي محافظة على هدوئها، وإدريس ينظر إليها نظرة قيسية محبة لها بجنون.           وبمرور الوقت حان موعد الزفاف، دخلت عليها أمها لتجدها مستعدة للذهاب رفقة عريسها، وتمت الفرحة بين الأهل في جو من السعادة والبهجة، وفي الغد أراد والد العريس إيقاظهما ليتناولا الفطور معهم، دق على الباب لمرات، فقالت له زوجته:

" إن الساعة التاسعة، مازال الوقت باكرا دعهما في راحتهما"، ولكن بمرور ثلاث ساعات، خضت عائلتا الزوجين، وأقدم الأب وأبناؤه على كسر الباب ليجدوهما جثة هامدة، بفعل غاز الحمام......

فهل وفت بعهدها ولم تكن له، بل ربما للذي استولى على أحلامها؟!.........

أناستاسيا آمال



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))