ظلال الكبرياء:








الأديبة  / أناستاسيا امال  / تكتب 

 ظلال الكبرياء:

الحكم الذي نفذته علي محكمة الحياه هو عادل بالنسبة لها، وجائر بالنسبة لي، ربما لأنني أجهل كل قوانينها المكتوبة بعناية في ذلك الكتاب الذي لم أحتفظ به كما يجب، فسال حبره بفعل رطوبة أنفاسي على كل ما أملكه وأمتلكه، وأضفى عليه صبغته الخاصة بألوانها المتدرجة........

" أنا " صراحة قسّمت تركتها على هو وأنت ومثناهما وجمعهما بمنأى عن التذكير والتأنيث، وتحولت ذاتي إلى ظلال أشلاء تجمعها رياح التجسد هنا وهناك، وتلملمها بقايا التجرد من كل شيء عدا......

بحثت عن استقلاليتي، عفوا فتشت عنها في أقبية التبعية ومشتقاتها، لكنني للأسف، أعلن عن خيبتي وفشلي في الالتقاء بها، خاصة وكل من يحيط بي يحاول بأقصى جهده أن يجعل في كلي بعضا منه......

لما عيّروني بالفقر، وذكروني أنه كاد يكون.......، ذكرتهم بأنني لن أقول وأنا أرتديه مرغما "إن الواحد اثنان"، نعم أقرّ أنه" لو جاء رجلا لقتلته"، وأعترف أنّه عيب، ولكن مهلا، بالرغم من فقري، لم أستجد يوما الصدقة من أحد، ولم أترقب في بورصة النصاب كل موسم، ليكون لي نصيب مفروض من خراج الجيوب أو المعادن الثمينة أو كرم الأرض، ببساطة لقمة كل يوم، اكتفيت بها؛ فهي تشد عضدي وتقويني طيلة اليوم وليلته......

وذات آن عابر، وبعدما شدّهم إلي لباسي الرث المتهالك على جسدي في معركته المتواصلة مع الخصاصة، عرضوا علي تقمص دور الكوميديا البشرية على خشبة المسرح، والتي سيحضر عرضها أصحاب" التخمة المالية"، وضخامة المناصب، فذيّلت قبولي بشرط، وقبل نطقهم بسينهم قلت: "أنْ أمثّل الدور بهذه الملابس، وبارتجال مني، فلاحاجة لي إلى التمرن على موضوع  أنا أعيش في حقيقته، وأكيد سأمتعهم بمعاناتي......، فهذا ما يريدون، أحقا هذا ما تريدون؟!.........

يتبع......

أناستاسيا آمال


ظلال الكبرياء(02):

مما يعاب عليه المرء أن يبيع قيمه لأجل أهواء ونزوات من لايرى فيه إلا المطية التي سيعتلي ظهرها ليصل إلى غايته...

لِم يزاحمونني على ما أنا فيه؟!، لست أدري، وقالوا لي آنفا لا يحق لك الدراية بما يتعدى قدراتك على التحمل أو الاستعاب.

واعتليت خشبة المسرح، أخيرا ذابت طبقية المكان هنا بيني وبينهم، نظرت إليهم وهم يستعدون لإلقاء همومهم في ضحكات أنا من سأهديها لهم، هكذا بكل بساطة يستغلون رضانا بالفقر، ليزداد ثراهم، ويحرصون على استغلال كل شيء فينا حتى معاناتنا وآلامنا، يطمعون في جعل مهزلتها منبع تسليتهم...........

  وقفت لازما الصمت لبرهة من الزمن، فتعالت الأصوات:" هل استعنتم بمهرج، بممثل، ببهلوان أبكم، أصم، وربما لا يرى"، وأمام تزايد المحتجين على اختياري، قررت البدء في تجسيد دوري الحقيقي، فقلت لهم:" هي دقائق صمت كانت مني ترحما على ضمائركم التي قتلتها كثرة أموالكم، فذهل الجميع مما سمعوه مني، وواصلت حديثي بنبرة تخنقها لوعة كرههم، لا، بل مقتهم، قلت:" أنا صبرت على فقدان كل شيء في الحياه، إلا شيئا واحدا، الغريب في الأمر أنّني أمتلكه، وأنتم تفقدونه، ولا تستطيعون شراءه ولو دفعتم له كل ما تستحوذون عليه من مال وجاه ويد ممدودة للمصلحة الشخصية، بصراحة لقد أخذتم كل ما تقع عليه أعيننا حتى الهواء النقي تملكتموه، وأنا كوني ممثل للبقية أنقل لكم تجربتي مع سطوة أمثالكم على عالمنا بكل وحشية ولاإنسانيه، فقاطعني مخرج المشهد، وحاول إخراجي عن طريق معاونيه، لكنني تشبثت بستار المسرح المنسدل رافضا الخروج وقلت:" لم ينته بعد مشهدي ليحين مشهدهم، أم أن البوح أصبح حكرا عليهم وحسب، لن أغادر حتى أسترجع حقي منهم بالاستحواذ على مخيلاتهم ودفعهم للحزن على ما سببوه لنا"، فقام أحد الحضور وتقدم صوبي ماسحا دمعه ومطلقا تنهيدات مسترسلة كصوت جهاز إنذار يحذر من وقوع كارثة ما، نعم هي كارثة موت الرحمة، وأبعدهم عني، ثم أقعدني على كرسي، وقعد بجانبي، ربت لمرات على كتفي مواس لي وخاطبني بصوت حنون خافت:" يبدو أنك عانيت كثيرا ممن شوهوا صورة الأغنياء في مخيلتك، لتثمر حقدا عليهم، أو علينا ككل، يا أخي لا أنكر أننا سببنا لك ولأمثالك شقاء ومعاناة لا تنسى، لكنكم رضيتم بحالكم تلك، ولم تحاولوا تغيير ما أنتم فيه، لم تطالبوا بحقكم في الحياة، وتقاتلوا عليه ولأجله تضحون بأنفاسكم رويدا رويدا حتى تفقدوا أرواحكم"، فضحكت بأدب وقلت:" تحفزني على وضع حد لأنفاسي، ليخلو لكم الفضاء الرحب"، وقمت من جانبه، وضعت قبعتي على رأسي وهممت بمغادرة المسرح بهامة مرفوعة، حتى فاجأني بقوله:" هل تقبل كل ثروتي، هي لك بشهادة كل الحضور، فربما لما تملكها، يعود لي كبريائي وراحة ضميري وبالي، وتجرّب بدورك عبوديتك للمال الذي يقتل كل حي فيك، ويهديك كل ما في الحياة، صحيح أنكم ظاهريا تساويتم مع الأموات، لكنكم في الباطن تملكون ما حرمتنا منه الثروة، وأنا الآن أريد شراء راحة بالك وقناعتك منك بكل أموالي، هاه ما ردك؟!......

أناستاسيا آمال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))