غشاء







الأديب / سليم بوشخاشخ  / يكتب 

 غشاء 


حلق بها  فوق جنات الخلد، عزف على وتر أنوثتها المتقدة بعد سبعة عشر عاما من ولادتها، أخذها حيث السعادة بلا حدود و النشوة اللامتناهية، فجر بركان أحاسيسها فسال حمما لذيذة،

ثم حط بها في وادي سقر ... و رحل...

استفاقت من حلمها الجميل، تحسست ذاتها فصعقت لما ضاع منها، راحت بكارتها و ضاع الغشاء،

رباه، كابوس أخذها في عالم مظلم، أحست بنفسها تغوص في بئر مظلم لا قاع له، أخذت تهوي بلا توقف، الظلمة الحالكة تشتد وطأة و ضربات قلبها تزداد و شيء في صدرها يخنقها، وصرخة مكتومة سكنت قلبها و أبت أن تخرج و تحررها،

كيف حدث هذا؟

كيف ستسطيع العيش في قريتها بدون غشاء؟

كيف سينوء بها ثقل خطيئتها؟ خطيئة عقابها عند الآلهة المقدسة  لعشيرتها لا مثيل له في كل الديانات، اللفظ خارج الحياة و الجلد بسياط العار حتى الأفول!

اخذت نفسا عميقا لتسترجع قليلا من رباطة جأشها، لا مجال للاستسلام، اتصلت بإحدى بنات قريتها التي مرت بمثل ما مرت به و استقرت بالمدينة الكبرى حيث الأضواء و رغد العيش، بعيدا عن آلهة المعبد و عن أعين القرية المترصدة، حيث يمكن العيش بدون غشاء و الانطلاق في حياة بلا قيود،

تركت قريتها وهي تبكي دما على فراق والديها البسيطين المسكينين اللذين وضعاها فوق رأسيهما، و بذلا الغالي و النفيس من أجل إرضاء طفلتهما المدللة الحلوة الشقية، بعد أن رتبت أمورها مع من ستكون حاضنتها و كفيلتها و دليلها في عالمها الجديد،

مدت لها ثيابا لتلبسها بدل جلبابها القروي، وجدت صعوبة في تطويع جسدها  الذي ألف المساحات الواسعة و الأثواب الفضفاضة مع أثوابها الجديدة التي تتلبس بها كالجان، و تعصرها عصرا، كما كان عليها أن تخنق حركاتها العفوية الطليقة و تصيرها حركات محسوبة لتمشي على كعبها العالي الجديد و تضع رجلا على رجل تاركة تنورتها القصيرة تزداد قصرا،

بالإضافة إلى ثيابها الجديدة و اقراط و بعض المساحيق و حبوب لمنع الحمل، أعطتها صاحبتها اسما  يتلاءم مع وضعها الجديد، طالبة منها التخلص من اسمها القديم مع حقيبة ملابسها القادمة من القرية، 

ليلتها الأولى في مقر عملها كانت رائعة بكل المقاييس، كانت الأنظار كلها مركزة على هذه الوافدة الجديدة، ومضات الأضواء الملونة التي تتناوب مع ظلمة هذا القبو الأنيق، و دقات إيقاع الموسيقى الصاخبة التي تقرع في أحشائها، و جلسة الأريكة الوثيرة التي تحسسها بأنها أميرة زمانها، و ابتسامات المكر المشفوعة بالنظرات الماجنة التي حوصرت بها من كل الوجوه المحيطة بها في تنافس محموم للظفر بهذا الصيد الجديد ذي الجسم البض الذي يتلألأ على ضوء الأنوار الساحرة، 

تذكرت قواعد الشغل التي حفظتها من صاحبتها: اختيار الزبون الذي تظهر عليه علامات البذخ و الرخاء، ودفعه إلى الشرب أكثر لتنال رضى صاحب المكان، التمنع و الدلال للتفاوض على أكبر أجر،

إحساسها بأنها مركز الكون و نجمة النجوم في تلك الليلة جعلها تتحمل مرارة أول جرعة لأول قنينة خمر في حياتها، و تصبر على استنشاق أول سيجارة في مسيرتها الجديدة، تمكنت من زبون سخي منحته عنفوان أنوثتها الملتهبة و سافرت معه إلى أعلى عليين حيث الينابيع المتفجرة...

مع مرور الليالي و توالي الأيام، خفت توهجها شيئا فشيئا، و استحال عرسها عرضا متكررا فقد طعمه الشهي و تكررت على مسامعها نفس الإيقاعات الموسيقية و حفظت مسار الأنوار الملونة، و أصبحت قنينات الخمر مع علب السجائر مهدئات لا محيد عنها لتتحمل قهقهات الزبائن الثقيلة و طبعهم السمج المغطى بجوع مرضي للحم البشري، و تحولت الينابيع المتفجرة إلى بركان خامد تفوح منه رائحة رماد فقد توهجه...

انقلب عنفوانها ذبولا و انطفأت في داخلها كل المصابيح،

عتمة قاتلة صيرت روحها أطلالا و أفقدتها كل رغبة في  الاستمرار في هذه المسرحية المبتذلة التي تلعب فيها دور كومبارس نتن...

استرخت على سريرها، أحست براحة غريبة في دواخلها، رغم المغص الشديد في بطنها، استشعرت سم الفئران الذي تناولته يسري في عروقها ليحررها من سجنها الذي أوت إليه هاربة من فضيحة غشاء... 


سليم بوشخاشخ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))