( شهرزاد )







الأديب  / جاسم السماري / يكتب 

 ( شهرزاد )


بعد التخرج من الكلية ذهبت لاداء الخدمة الالزامية ، واحيانا الصدفة او الحظ سميها ماشئت ، تلعب دور كببر في اسوء فترة يمر بها الشاب بعد الانتهاء من الكلية ، الفرحة عابرة ماهي الا  ايام وتنسى كل شيء يتحول سلوكك الى الة تنفذ كل شيء دونما اي اعتراض  ، وان  اختصاصي يصلح في مجال التحليلات المرضية ،  من محاسن الصدف ان يك  مكانك في مشفى تابع للجيش ، تفاجأت عندما عرفت اسمها شهرزاد  لاول وهلة، ذكرتني بكتاب الف ليلة وليلة و بالقصص القديمة الشيقة والحكايا الطويلة التي لاتمل ، عندما  تتداخل احداث القصص مع بعضها البعض تبدو مسلية وتشدك حتى تعرف النهاية  ،  الوجع والانين قد تسمعه ، في كل مكان ، ذابت كل الاحلام وتبخرت الامال ، وجدت قلبا يخفق بصدق  ، خفت عليه اكثر من خوفي على نفسي لئلا يجرح ،  كانت تدور حول الردهات كالملاك ، ترتدي بدلة المشفى تعمل محللة مختبر بنقاء قلبها الصادق ،  رقيقة  و  ممشوقة ذات  بياضها ناصع ووجه نضر  جميل  حالما تراها ينتابك شعور خاص ، البراءة والرقة والانوثة ، كلما نظرت اليها وجدت كل شيء فيها رائع ،  لما اقبلت  نحوي  بخطى خجولة بعد ان القت التحية  حاولت ان تفتح حوار بشأن عمل المختبر ،  لانها تريد ان تتعلم بعض الاشياء تخص عمل المختبر  ، بدأت اشرح لها  كيفية فحص العينة في المجهر ، ثم ازادت الثقة لديها اكثر ، تكررت الزيارات حتى باتت عادة تلقي الي تحية الصباح ، بابتسامتها المعهودة ، في يوم  فقامت بطرح موضوع  خاص وحساس جدا ، يبدوا انها قد خططت لذلك وأرادت مدخلا للحديث، تريد اخذ رأيي  بالسؤال لم انا دون غيري؟؟ سألت نفسي مرارا ؟؟

ثم قالت :

 بصراحة كنت اراقبك من بعيد  "  ولكن شيء ما شدني اليك  سلوكك وتصرفاتك هدوءك  ،  رغم وجودي في مختبر الكيمياء معهم  عندما تأتي الينا  اراقب خطواتك صدقني قد  سئمت من  نظراتهم  الي  بعيون وقحة ترمقني شزرا واحيانا اسمع كلمات اتناهى عنها  فاحس بالحزن والحرج والخوف احيانا  ،

لذلك لم اشعر بالطمأنينة والراحة معهم ،  فأتيت لاجل ان تسدي لي معروفا وان تساعدني !!

 كانت عيونها الخضراء ووجها الناصع وهي تتكلم بحرقة والم  لانها محط انظار كل العاملين في هذا  المكان الذي لاتنتمي اليه ، بل هي غريبة عنه تماما ، خاصة العمل في مشفى عسكري تكون الاوامر العسكرية لها بعض الخصوصية والالتزامات الصارمة والشديدة، في زمن لايحق لاحد المناقشة او الكلام في ابسط الامور لذا لاتلتقي مع البراءة والجمال والعفة ابدا ، هكذا رأيتها  ضحية ظروفها القاهرة،  تحاول ان  تقاوم  بشراسة  لاحظت الكثير من العيون تلاحقها رغم انها محتشمة  ترتدي ربطة زادتها نضارا  كذلك فستانها الطويل يزيدها بهاءا ورونقا ، جلست بقربي ثم   شرحت لها كيفية اجراء الفحوصات التي تريد معرفتها ، ثم  توسع الحديث في جوانب كثيرة.

 بدأت تتكلم عن نفسها بكل ثقة وتواضع   تشتكي زميلتها  بدافع الغيرة ، جعلتها تتصرف معها بفضاضة وبخبث لم ترد عليها بل واجهت الموقف ببرود .

ثم قالت:

 ماذا افعل تجاه تدخلاتها المستمرة !!

 خصوصا  نحن في مكان حساس ،   كل يوم التقي بها ، نعمل في مكان واحد  فكيف سأتصرف ازاء، تدخلاتها ارجو مساعدتي ؟

قلت لها: هنالك ثوابت وقيم  لدى كل انسان تربى عليها بقناعة فلايمكن لاي شخص ان يجبرك على ذلك ؟ حاولي تجنبها تجاهليها قدر الامكان فأنها الغيرة ربما تغار منك .

بقيت فترة من الزمن حتى غادرت بهدوء رمتني بابتسامتها الجميلة مع كلمات ثناء وتقدير  !!

لحظتها  تمنيت ان اسير وحدي ارافق ظلي اتنفس هواء نقي اعبيء به رئتي احلق في الهواء مثل طائر النورس امارس لعبة التقبيل مع الماء،  هذا الشعور الغريب بين فرحة عارمة انتابني لحظات احسست فيها دقات قبلي المتسارعة يكاد  يقفز من بين ضلوعي وتركتني في ذهول ومضت ، بقيت متسمرا في مكاني احاول ان استعيد تلك اللحظات .

عادت قبل نهاية الدوام مرة اخرى مع صديقتها الدكتورة وقد عرفتها بي وتشعب الحديث 

تأكدت انها تفتح قلبي النقي بصدق وتعرضه علي ما اجمل ذلك  الشعور  وهي تنتظر ماذا افعل حيال ذلك ؟

 وعند  عودتي للبيت لم استطيع ان اخرج من غرفتي راودتني افكار وهواجس فارقني النوم في تلك الليلة لانها ليست نزوة او فترة مراهقة  لا اريد ان اعبث بمشاعرها وأزيد من حملها لانها في بداية حلم  وبنفس الوقت اخاف ان  تتعلق بي ثم اقدم الاعذار ثم نفترق  ، حاولت ان اجد مخرجا لهذا الموضوع ياالهي هي تستنجد بي ! وانا سوف استنجد بمن !!

  فقد جنت علينا الاقدار كم  تمنيت ان تكون الظروف افضل  ،  وذات يوم سألتها اليس من المفروض ان لاتتطوعي في المؤسسة ؟

 وهي محاطة بقوانين صارمة ومن الصعب عليك التأقلم مع هذه الاجواء ،  لم تطوعت بأمكانك ان تنتظري التخرج وتتوظفي في دوائرة مدنية ؟؟

• وصمتت برهة من الزمن ثم نظرت الي واطرقت رأسها وقالت :

 ظروفي القاسية لم تسعفني  كان امامي خيارين اما ان اترك الكلية او اتطوع على نفقة الوزارة ، 

فهم يعطونني راتب شهري سهل لي الكثير من الامور 

نحن عائلة كبيرة ، والدي ليس له المقدرة ان ينفق علي وعلى اخوتي في الكلية ،  لذلك لجأت الى هذه الوسيلة حتى احقق جزء من حلمي وانا ارى الدمعة حائرة في مقلتيها 

 بقيت شهرزاد  الطبق الشهي للعيون المارقة التي تدور حولها وانا اتفرج ماذا افعل ؟؟

لاشيء  ربما تدوس على عواطفك  لاجل الانسان الذي وضع ثقته بك كلما اردت ان اقترب منها اكثر  اجد ما يبعدني وينفرني عنها  بعيدا 

 كان موعد اللقاء غير مواتي وغير مناسب لان  الحياة صعبة جدا اكثر مما توصف !!

اردت مغادرة المكان خلسة حتى لا اصدم بلقاءها بعد تم نقلي الى مكان بعيد جدا، بالقرب من الحدود السورية  حينها اختلط علي الشعور بين متشائم ومتفائل اشبه بالاضطراب لكن في النهاية وكأن ارادة خارجية قد انهت الصراع الذي اعانيه  لانني لم افكر يوما ان اظلم فتاة في زمن القحط والمعاناة ولا اريد ان اعبث بمشاعرها الصادقة  ثم اتخلى عنها ،ان عدت الى  قلبي لايطاوعني وعقلي يرفض وانا حائر بين الامرين لما هذا التنقاض وكتبت ورقة  وضعتها في جيبي ،

لم اتمالك نفسي لابد من نظرة وداع اخيرة  يجب ان اراها ولو لحظات كانت من زاوية لايمكن لها رؤيتي وهي جالسة بالقرب من نافذة غرفتها وقد سقطت عليها خيوط الشمس البيضاء فامتزجت مع بياضها الناصع ربما كان هذا اخر يوم من ايام حلم حياتي راودني في هذا المكان تمنيت ان يستمر هذا الحلم الذي تحول الى كابوس ، سوف اترك هذا المكان وأذهب بلا قلب ولن ينفعني سهري ولا تأملاتي ولا حتى خيالاتي الجامحة  ،

  ذهبت الى الدكتورة  فسلمت عليها واخبرتها بنقلي بعيدا واعطيتها الورقة لتسلمها الى شهرزاد لم استطيع المواجهة خوفا عليها واثناء مروري كانت خطواتي ثقيلة جدا قدماي تكاد تحملني ولم التفت الى الخلف ابدا..... .....

          ( تمت)

جاسم السماري 

٢٥ / ١٢ / ٢٠٢٠

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))