السيدة (ب...)








الأديبة  / محرزية القريتلي قدور  / تكتب 

 السيدة (ب...)


مرّت سنوات و سنوات دون أن أراها ، و التقيت بها صدفة في مدينة أخرى في أحد الأسواق الشعبية .


امرأة متقدّمة في السنّ. نشفت بشرتها و تربّعت عليها التجاعيد ، و خطا الشيب شعرها..

أثوابها باهتة.. كانت تمشي بجانب زوجها و قد هرم هو الآخر.

كانا  منهمكين في فرز بعض الملابس المستعملة. لم ينتبها لوجودي و حتى ان حدث ذلك فانهما لن يتعرّفا عليّ. أنا أيضا لم أعد تلك الطفلة أو التلميذة التي درست عندها  زمان..


صحت في استغراب و استنكار و انا ألفت نظر زوجي اليهما : " مدام  (ب... )  !!؟ 

أنظر هل ترى مدام ( ب.. )  و زوجها السيّد ( ب... ).


أجاب بهدوء : " نعم " ثم تبسّم و أضاف : " أدرك ما تعنيه.. أمر طبيعي فالانسان يتغيّر مع الزمن ". 


قلت :  " لم أكن أتصوّر أن أراهما على هذه الحال ..".


عرفت مدام ( ب... )  في الستينات أيام كنت أزاول دراستي الابتدائية . كانت تدرّسنا اللغة الفرنسية  و الحساب و العلوم الطبيعية ...

امرأة شابة ، أنيقة.. أناقة رصينة هادئة ..

كانت ترتدي دوما ميدعة  زهرية اللون ، تظهر من تحتها تنّورة بخطوط زرقاء ، و تنتعل حذاء   رمادي اللون، بكعب منخفض. 

كان شعرها الكستنائي متوسّط الطول . تشدّه الى الخلف بمشبّك أصفر. بشرتها بيضاء ، خالية من الزينة و المساحيق و الألوان. تبدو في هدوئها و اتزانها و رصانتها شخصية تفرض احترامها.

كانت تلقي الدرس في هيبة تامة.

كنا نحترمها و و نقرأ لها ألف حساب.

كم كنا نفرح و نبتهج  حين تكلّفنا بالتناوب لحمل قفتها التي تستعملها لنقل الكراريس.

كانت مدام ( ب.. )  تسكن في الطابق العلوي للمدرسة ، و كانت توقفنا أمام الباب و تتسلّم قفتها، بحيث لم تتح لنا الفرصة لرؤية بيتها من الداخل.


صورة مدام (ب.. ).  وهي تعبر ساحة المدرسة في اتجاه القسم بميدعتها الزهرية و تنورتها الزرقاء و حذائها الرمادي المنبسط و شعرها المشدود الى الوراء  لم تفارق مخيلتي .


رمز هادئ ، متزن و مهيب اقترن بالمدرسة دون سواها . صورة بقيت بالذاكرة الى اليوم.

لم أعرف عنها شيئا آخر الى حين التقيتها بهذه السوق بعد سنوات.

توقّفت ذاكرتي عند ذلك الزمن و على تلك الصورة و رفضت هذا المشهد الحالي ..

تزاحمت الأسئلة في رأسي :

- مالذي جعلها تتحوّل الى هذه الحال ؟ 

- هل كان دخل المعلّم في تلك الفترة ضعيفا لا يفي باحتياجاته  ؟

- هل كانت  هي و زوجها لا يحسنان التصرّف في نفقاتهما؟

و سيطر على فكري سؤال محيّر و مخيف : هل سيكون لي نفس المصير ؟؟؟

ويلاه .. ويلاه ..

.................................

محرزية القريتلي قدّور

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))