أمس انتهينا ...








الأديب/ بدر الدين تلجبيني / يكتب 

 أمس انتهينا ...

 خرجت أسماء من منزلها في مدينة اسطمبول التركية قاصدة مكان عملها في السوق  فقد أمنت لها احدى زميلاتها عملا في محل لبيع الألبسة .. كانت تسير في الشارع في بحر من الغادين والرائحين يدور في رأسها شريط ذكريات عام 2011 ما قبل النزوح الكبير حين كانت تخرج من منزلها في مدينة حلب في مثل هذا الوقت من كل صباح ذاهبة الى المدرسة وتمر على رفيقتها فتبتاعان في الطريق اكياسا من  بطاطا ديربي وشيبس  ..

و كيف كانت تصادف ابن عمتها ماهر في طريق ذهابه الى الجامعة   الذي كان يمازحها ويدعوها ( السنيورة اسماء )ويعدها  بأن يتقدم لخطبتها  فور تخرجه من الجامعة وحصوله على الوظيفة .. وكيف كانت ترد عليه ممازحة  بعبارة ( عيش يا كديش ) !! ويضحكان   . وصلت أخيرا الى المحل  الذي تعمل فيه فنظر معلمها العجوز في ساعته وابتسم مشيرا إلى تأخرها ربع ساعة عن الدوام دخلت وبدأت بمسح الزجاج وترتيب الألبسة على رفوف المحل ..وما زال شريط الذكريات يدور فتذكر كيف  تقدم ماهر لخطبتها قبل التخرج وتحقق أول وعد من وعود السعادة ويمر بائع الغاز من امام منزلها في حلب وقد وضع  شريط موسيقا اغنية فيروز ( أمس انتهينا فلا كنا ولا كان  ..يا صاحب الوعد خل الوعد نسيانا ) وتذكر كيف أنها لم تطرب  لسماع  هذه الأغنية كما كل مرة  بل انقبض قلبها وشعرت بالخوف من القادم   . فهل تصدق نبوءة فيروز بأن يصبح وعد ماهر نسياناً  ؟؟    وتحمل أسماء رزمة من الملابس لتضعها على الرف وترفع نظارتها الشفافة لتمسح دمعتين نفرتا من عينيها فقد  تحققت نبوءة فيروز وأصبح الوعد الجميل في طي النسيان فقذفت  موجة عاتية  بخطيبها ماهر الى كندا  دون أن يكمل دراسته الجامعية  وقذفت بها موجة اخرى  من مقعد الدراسة لتضعها عاملة في محل لبيع الألبسة  معيلة بوالديها واخوتها الصغار  ..

واليوم وقد مضت عشر سنين  على الوعد وأسماء تقبع في عتمة الإنتظار  ..تنتظر يوما يعود فيه ماهر ويبزغ فيه ضوء النهار ..

بدر الدين تلجبيني

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))