في جولتي







الأديبة  / آلاء خضور / تكتب 

 في جولتي في أحدِ أحياء دمشق القديمة استوقفني عجوزٌ اجتمعَ الناسُ حوله ..

سألتُ أحد المارة ما الأمر ؟ فأجابني أنّه في كل ليلةٍ يروي لنا هذا العجوز الحكيم حواراً دارَ بينه وبين نفسه أثناء تأمله للوحاتٍ ما حفظها التاريخ في معارضه وجارَ الزمانُ على أصحابها فاشتراها هو والآن وبعد طرحه قصة اللوحة سيقوم ببيعنا إياها بأي سعرٍ يأتيه .. 

أحببت الفكرة فوقفت أنصتُ إلى ما يردده هذا العجوز

    

"لم أعتد الحياةَ يوماً وما تقبّلني الموتُ شريكاً 

بلونٍ قرمزي رسم لوحته .. وبإبرةٍ ثقبَ إبهامَه ووضع لمساته الأخيرة فوقَ ما أسماه فنّ الحياة

لكنْ أينَ الحياةُ في لوحةٍ خُطّت بأحمرٍ قرمزي ممزوجٍ مع دمِ الفنان ؟


كاهنٌ في الحبّ 

رجلٌ لاذَ فارّاً من غضبِ أفروديت ( آلهة الحبِّ لدى الإغريق ) فما وجدَ نفسه سوى رهينَ القلب واقفاً على هاويةِ الحب ينتظرُ حتفه كي يُرمى من ذاكَ السفح الطويل فعندها فقط سيبردُ فؤاده العليل 


يا كاهنَ الحبّ .. يا قديساً وقفَ في ساحة القلب 

هل فؤادك مريضٌ بعشقِ الخالقِ أم المخلوق ؟

حتى هو لا يدري ما داؤه لكنّه وصف لنفسه دواءً يؤخذ مرّةً في العمر 


تأملّتْ عيناي تلك اللوحةَ مجدداً

كانتْ فيها زوجته تقبّل رجلاً رسمه ربما تكريماً لعلوِ شأنه السياسي لا أعرف .. لكنّه كانَ يقف مشاهداً الخيانةَ أمام ناظريه دونَ أن يقوم بأي حركة !

ماذا لو دققنا النظر مجدداً ؟ 

أجل الخيانةُ واضحةٌ كضوء الشمس في المساء .. لكنْ ما كانَ بينَ الرجلِ وزوجته في اللوحة يفسر أموراً ما عرفناها ؟ 

لقد كانَ وجهاً لإمرأةٍ حسناء ضاحكة .. أهي سبب الخيانة ؟ أهي سبب تقصير الزوج بحق زوجته ؟ أهي الحياةُ تضحكُ علينا ؟؟ 

لا لقد كانت الحبَّ الأول .. 

فحتى لو أحبّ المرءُ تسعاً وتسعين مرّة وفي كل مرّة خانَ الحبَّ ألف مرة سيبقى إيقاعُ خفقةِ القلب الأولى يعودُ بين الحين والآخر معلناً انهيارَ دولة القداسة وبدءَ العصرِ القهري بزعامة الألم ابن الذكريات !


أهذا ما فكرت به يا كاهنَ الحب يا فنانَ الحياة يا صاحبَ الوفاء .. ؟ 


قلبتُ اللوحةَ لأرى اسم الفنان لكنّي وجدتُ الوصية لا الاسم :

حياتنا لوحةٌ نحنُ من سيرسمها ونحن من سينتقي ألوانها فأحسنوا اختيارَ الأشخاصِ قبل الألوان ولترسموا بأقلام الحب لا بدم القلب

يا أبناءَ الحرب ... وإليكم يا أحفادَ السلامِ وصيتي "


يا لغرابةِ ذاك العجوز لا أدري لما جائني من الأحاسيس ما يهمسُ في أذني أنّه صاحبُ تلك اللوحات .. وأنّه يبتكرُ قصصاً ليبيعَ لوحاته ويُطعمَ بثمنها أولاده .. مضيتُ وما زالت تلك الكلمات عالقةً في رأسي "يا أبناء الحرب .. يا أحفاد السلام "


نحن أخلافُ الفقرِ يا جدي لا السلام .. 

نحنُ مَن لا لونَ في لوحته ولا دماء ؛ لأننا لا نملك ثمن الألوانْ ولا نقوداً لشراءِ المشارط والإبر فمن أينَ ستأتي الدماء فوق بياض لوحاتنا يا جدي !


آلاء خضور

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))