الرزمة







الأديب/ ياسر حلوي / يكتب 

 الرزمة

دسّ يده في جيبه الرثّ, مُخرجاً رزمة مفاتيحه الكامدة, التي كان قد ألتقطها من هنا وهناك, وضمّها معاً في حلقةٍ واحدة, فظهرت كأفرادٍ من عوائل مختلفة, فهي مفاتيح كبيرة لأبوابٍ خشبية ومعدنية كمفاتيح قلاع وخانات العهود العثمانية, وأخرى صغيرة

لبيوت تمّ هدمها, وقد آختْ بينها الأيام بعد أن أنصاع بعضها لبعض.

لم يكن يستعمل منها سوى مفتاحٍ واحد, يحشرهُ في قفل باب بيته القديم, الذي كان جميع ما ورثه عن أبيه, ولكن ما سرُّ هذه الرزمة ؟؟؟ .

كل ما في الأمر أنه مولعٌ بتقليد الأثرياء, الذين يُدخِلون أكفَّهم في جيوبهم فيخرجون رزمةً من المفاتيح البرّاقة, التي تصيتُ متحدّثةً بترف أصحابها..

مفتاحٌ واحد لن يتحدث إلى صاحبه بشيء, بل على العكس سيصيبه بالأسى, الرزمة تتحدث, تنعتُ صاحبها بما يُحب ويشتهي, فالرزمة صاحبة طيّبة تنطق بكلماتٍ ذهبيّة تُثلِج النفس, والمفتاح صاحبٌ تعس, لأنه يُشغِل صاحبه بالخرس, والخرس يُميت النفس, يقهرها, يصيبها بالهلوسة.

كانت رزمته كسريةٍ جميع أفرادها متقاعدين منذ ردحٍ من الزمن, ماعدا مفتاحه الأوحد الفاتر البريق, الذي ما زال في الخدمة, وهو الفرح المأخوذ رغم ذلك بذاك الصرير الذي ينتشله من واقعه المتصدّع الأبكم المضني برتابته, كان يتوق لأن يحيا حياة مختلفة, لا تمتُّ إلى هذه الحياة التي اعتادها منذ عقود, أو أن يموت ميتةً مختلفة ينتحبه فيها صرير الأشياء.

ياسر حلوي


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))