أنا وظلي
الأديبة / عفاف علي / تكتب
أنا وظلي
ارتديت فستاني الوردي، صنعت أجمل ضفائر، زينتها بشريط أحمر وآخر فضي.
يا لبسمتي و روعتي و جمال فستاني، أشبه وردة الجوري قاطعني صوت خافت، و أنا ماذا سأرتدي؟.
من أين جاء هذا الصوت؟ من أنتِ؟ من أنتِ؟.
لم يجبني أحد، هرولت لأبي الذي صدمه خوفي، ضمني إلى قلبه، و همس في أذني من أميرتي؟.
أسرعت بالإجابة: أنا يا بابا، حملني وهبط بى الدرج، فأنا أميرته ذهبنا معًا في نزهة جميلة، وعدنا بعد أن أهلكنا التعب ونمت وانتهى الموقف ونسيت كل شيء.
في الصباح ارتديت لبس العيد وخرجت ألعب مع صديقاتي، كنا كالفراشات على أزهار الربيع، والضحكات من حولنا تعزف أجمل موسيقي لرقصاتي.
أنظر له أرق ملاك في حياتي، سمعت الصوت مرة أخرى، يقول: و أنا أريد أن ألعب أختي.
صرخت بأعلى صوتي، وهرولت نحوه ضمني وحملني بين أحضانه دون كلام هذه المرة.
نظر لي وقال: لا تخافي بابا معك أنتِ أميرتي، لن يصيبنا سوء، اشتد خوفي من المجهول، لم أنم طيلة الليل، وأنا قابعة في أحضانه، يرقيني ويدعو لى بالخير.
عشقت هذا الأب، فهذا الحنان كله لي أنا، هو ملكي، لم أبكِ مثل الأطفال على فراق أمي التي فضلت الطلاق على أن تعيش معه.
- بابا، نعم حبيبتي.
- أين ماما الآن؟ أنا أريدها.
- رد عليّ بهدوء: أميرتى ألا تذكرين؟ رحلت وتركتنا معًا.
- أنا اتذكر كل كلامها حتى آخر جملة قالتها: لا تضيعها مثل أختها إياك أن تقتلها.
لحظة أختي وتقتلها كيف؟ أين أختي؟ ومن قتلها؟.
ظهرت ملامح الغضب عليه، والتزم بالصمت، والتزمت أنا أيضًا.
مرت الأعوام علينا ونحن نتعلق أكثر ببعض، هو كل دنياي وأنا أميرته، دخلت الكلية وتخصصت في علم النفس.
كنت أقرأ كثيرًا عن الأرواح وعالم الروحانيات، حتى توصلت لارتباط التوائم ببعضها في المشاعر والأحاسيس.
ما أشعربه جعلني اندمج في هذا العالم، أبحث عن ذلك الصوت الذي يتبعني دائمًا.
لم يجبني على كل أسئلتي، فاضطررت للبحث عن أمي وجمعتها بعد خمسة عشر عامًا.
أجدها تسكن بجواري، تراقبني و ترعاني بصمت، ذهبت لها و أنا أجر عقوقي لها، قابلتني بحب وسلام واشتياق؛ كأنها تريد أن تصهرني بداخلها.
أريد أن أعرف منك ذلك السر الدفين، الذي يخبأه أبي وأنتِ.
رفضت و لاذت بالصمت، لن تستطيع مقاومتي هي تحبني، أخرجت من جيبي علبة دواء، وهددتها بالانتحار لو لم تقل لي ذلك السر الرهيب.
هنا خضعت خوفًا عليّ من الموت، وقالت: لا تحرقي قلبي مرة ثانية مثل أختك.
ارتفع صوتي بالصراخ: أختي، أختي، أين هي؟ وماذا حدث لها؟.
تكلمي، تكلمي أرجوكِ، شهقت بالبكاء وقالت دون وعي: قتلها أبوكِ.
أبي، أبي ذلك الملاك الرقيق، أنتِ كاذبة.
هو الحب والحنان، هو الآمان، لا، لا أنتِ تكذبين.
صفعتني بالقلم حتى ترك كفها آثاره على خدي، و قالت بنبرة قهر: أنتِ مثله، أنانية ومغرورة، نعم قتلها وبدم بارد وأمام الجميع، أنتِ لك أخت توأم ولدت قبلك بدقيقتين، كانت معاقة بصريًا، وقلبها ضعيف، وبه ثقب.
أنتِ أكتمل نموك، وأصبحت جميلة جدًا، كنتِ اختياره المفضل، كنتِ دلوعته وحبه وفخره.
أما هي فلم يحملها لحظة واحدة في عمرها كله، عاشت عامين لم يهديها قبلة مثلك.
سقطت على الأرض، وبلهفة صرخت: كيف قتلها؟.
قالت: مرضت مرضًا شديدًا، تحتاج لعملية سريعة، ونحتاج مبلغًا ضخمًا، رفض أبوكِ أن نجري لأختك العملية، وماتت في يومها ولكي يداري على قسوته، قال : أنه لم يستطع جمع المال، و بعد أسبوع من موتها، وضع لكِ وديعة بضعف المبلغ، وعندما سألته عن السبب الحقيقي؛ قال: إنه لا يريد فتاة عمياء وقبيحة في بيته؛ وأنه استكفى بجمالك وحسنك عن العالم كله؛ لا أعلم أي نرجسية هذه، أي أنانية في قلب أبيك.
- أمي ذلك الصوت الذي اسمعه كان لها.
- قالت: حبيبتى أنتما توأم ملتصق تشعران ببعضكما، أرواحكما متعلقة ببعضها، لا تخافي منها، لن تؤذيكِ حبيبتي.
كان يجب أن أذهب لأبي و أواجهه، انطلقت مسرعةً إلى قصري الذي شيده لي، لأعيش كأميرته.
أبي، يا بابا، رد عليّ أجبني، الدماء تسيل من جسده، الدماء في كل مكان، لقد قتل نفسه، مات لأنه لم يملك الإجابة، يحمل في يده مسدسًا، وفي الآخرى ورقة تغطيها الدماء مكتوب فيها بخط غليظ ( أميرتي لا تلوميني في ما فعلت، ولومي جمالك وبهاء طلعتك، كنتِ حبيبتي وبنتي، أراكِ كل شيء أنتِ كل الحب، بل أنتِ الحب نفسه، لا تنسيني في دعائك، ولا تخشي حبي لكِ، سلامًا يا كل الحب ).
تلاشت كل الصور من أمامي، وشعرت بحضن دافئ، والصوت يقول لي لا تحزني يا أميرتي أنا معك.
عفاف علي

تعليقات
إرسال تعليق