ظل أخي🌷









الأديبة/ عفاف علي/ تكتب

 من كتاب جريمة نائمة


ظل أخي🌷


في ليلة شتاء ووسط سكون الليل، صرخات متتالية دون توقف؛ تصدر من تلك الحجرة المغلقة.

تخرج  الممرضات من غرفهم في حالة من الخوف، عيونهم تبحث عن مصدر الصوت، يندهش الأطباء من تلك المريضة، هي لا تتوقف عن الصراخ والبكاء، هي لم تنم برغم قوة المهدئات، تردد جملة واحدة فقط أنا ارآه يا أمي، يغلب الفضول الجميع، من تلك المريضة؟ وماذا بها؟.

اتسلل بخوف وهدوء نحو غرفتها، أشاهد فتاة يافعة، جميلة الملامح، طويلة القامة، متناسقة القوام، سمراء البشرة، أجمل ما فيها تلك الخصلة التى على عينيها، يتساقط شعرها عندما تصرخ، فيرسم لوحة جميلة على وجهها، هي لا تهدأ أو تنام.

تتعلق عيناها على جدار الغرفة، لكنها نظرت لي وتمتمت بكلمات مجهولة، جعلت جسدي يرتجف، دار في عقلي حوار كبير، بدأته بسؤال: هل هي مجنونة؟ لماذا يكبلونها بالقيود؟ وقفت أمام حجرتها وهي تصرخ، خرج الجميع من غرفتها إلا امرأة عجوزة، كانت جالست على مقعد بجوار سريرها، لم أشعر عندما دخلت قدمي حجرتها، جذبني صوت والدتها، وهي تقول لي: أجلسي بجوارها، لا تخافي منها، إنها ملاك يا صغيرتي.

جلست بهدوء، ولمست شعرها الذي يشبه ملمسه الحرير، داعبت خدها بيدي، نظرت لي، وقالت: أنا ارآه. 

كان من الطبيعي أن أهرب في تلك اللحظة، فمن الذي ترآه؟  تراجعت للخلف قليلًا، ثم قلت لها: أنا أيضا ارآه مثلك. ابتسمت، يا لروعة تلك الإبتسامة! إنها عذبة ورقيقة، توقفت عن الصراخ، وجلست في هدوء تنظر لي، ثم تنظر للحائط وتبتسم، فقلت لها: أنتِ رائعة الجمال، لك عيون واسعة، ما اسمك؟  قالت: قمر وأنا أشبه أخي في كل شيء، ولي عيون مثل عيونه، حتي لوني مثل لونه، نحن اثنان ولن نفترق، سنكبر معا، ونتزوج معا، ألم تنظري له؟

أردت الهروب من الموقف، قلت لها: نعم، قمر أنا ارآه لكنني خجولة؛ ضحكت بصوت هز غرفتها، وقالت: هي خجولة، هي خجولة مثلك، وتوقفت عن الكلام، ثم نظرت لي، وقالت: لا ترحلي، تحدثي معه.

أريد أن أنام وهو يخاف من الوحدة، أغلقت عيناها ونامت،  كطفلة نائمة في حضن والداها، شعرت بالخوف من ذلك الشيء الذي ترآه هي فقط، وسألت نفسي: ما نوعه؟ هل هو من الأنس أم من الجن؟! اقشعر جسدي، انفتح الباب فجأة، فصرخت بصوت عالي، يا الله يارحيم أنقذنا يارب.

لقد كان الطبيب، الذي ابتسم لي، وقال:  مابكِ؟.

شعرت بالخوف الشديد، أردت الخروج من الغرفة، لكنها تمسك يدي، فهدأت حالي قليلًا، قال الطبيب لي: كيف جعلتيها تنام؟ هل أنتِ أختها؟ لم أجب على سؤاله، بل أجابته والدتها: لا هي مريضة مثلها، فقد أخبرتها أنها ترآه. خرجت من الغرفة وأنا حزينة، أنا لست مريضة مثلها، بل أردت منها أن تهدأ، جاء الطبيب خلفي، وقال: أعرف قصتها فلا تخافي منها، لعب الفضول دوره معي، وقلت له: كيف عرفتها؟ فهي مجنونة، وأظن أن أمها قاسية الطبع، هي لم تخبر أحد بقصة بنتها، أبتسم وقال: نعم، ولكنها في بعض الأحيان تتساقط الكلمات من لسانها، ما أعرفه هو أن لها أخ توأم لها، كانت شديدة التعلق به، وأن روحهما متقاربة، هي تشعر بوجعه، وتشعر بألمه، وهو كذلك،

هي بالفعل تشاهده، في كل مكان أمامها؛ لأن عقلها يرفض تصديق خبر استشهاده في الحرب، كانت في البداية تخاطبه وتحاوره، لكن عندما اشتاقت لحضنه ودفء مشاعره. تصورت أنه يريد أن يحضنها، والغريب هي لا تشاهده إلا على سطح الماء، كأنها تريد الموت، لكن بأسلوب جديد، عندما جاءت بها والدتها، كانت ملابسها مبللة بالماء، كانت قريبة من الموت، فقد ألقت بنفسها في الماء، ظنت أنه يلعب معها، كان علينا أن نواجهها بأنه قد مات، حفاظًا عليها من هذا الاكتئاب.

تساقطت الدموع من عيني أمامه، وقلت له: مسكينة مشاعرها مقتولة، قال: نعم، الغريب إنها لا تستجيب للعلاج، وفقدت الأمل في الحياة، وأظن إنها لن تتحمل أكثر من ذلك، وجميع الاطباء أكدوا موتها.

اتعجب كيف ترآه، فهي في بعض الأوقات، تدير معه حوار، تجعلك تصدق بأنه موجود بالفعل، تجعلك تشعر بأن أخيها بالفعل معها، لها عقل لكن قلبها يتغلب عليها، ربما  الأيام القادمة تجعلها تصدق، ونظر لي بأعجاب، وقال : ما اسمك؟ أشعر أنني أعرفك، فقلت له : نعم تعرفني جيدًا، فأنا قمر مريضتك، وأنت ترآني كل يوم في غرفة الكهرباء، لكن لا أحد يصدقك، فجميع الأطباء أكدوا موتي هنا في غرفة الكهرباء.. 


عفاف علي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))