طالع سيء.









الأديب  / عبدالرحيم كاري  / يكتب 

 طالع سيء.

ظل شعبان يتفقد حسابه البنكي ثلاث مرات في اليوم، منذ يومين....حينما يكون عائدا من العمل، يلقي عليه نظرة....في جولته المسائية قبل أن يلوذ بركنه المعتاد في المقهى، لا ينسى أن يضرب طلة ...وبعد انتهاء فترة جلوسه بالمقهى، كان ينعطف تلقائيا، جهة الصراف الآلي، يلقي عليه نظرة أخيرة قبل أن ينصرف الى البيت.

وفي اليوم الثالث، وكان يصادف، يوم إجازته الأسبوعية من العمل، ذهب شعبان وهو على يقين أن السيولة قد ضخت في حسابه، وأن السحب مسألة وقت، ليس إلا، لا شك في ذلك. وبحساب ذهني بسيط، توقع  أن مرتبه نصف الشهري لن يقل هذه المرة عن مبلغ ألف وأربعمئة درهم، بوجود ساعات عمل إضافية. وبحسبة بسيطة كذلك توقع أن تكون فاتورة البقال والجزار مجتمعتان أدنى من خمسمئة درهم، ثم قام بخصم المبلغ المتوقع دفعه ووجد ان لديه فائض قابل للإدخار، وبالصدفة يلقي نظرة على قدميه، فيصاب بالتقزز والاشمئزاز، كيف ينتعل صندلا في عز فصل الصقيع؟  فجأة، يقرر أن يشتري حذاء، فور سحب النقود.

كان الطابور أمام الصراف ثعبانا بلا ذيل، ممددا على طول الرصيف، ذهل شعبان؛ حين وقع بصره على ذلك المشهد، وانطفأت عيناه، وخاب أمله في اقتناء حذاء، يذوذ البرد عن قدميه المشققتين من فرط انتعال الصندل في غير وقته. فانتابه شعور بالغضب والتذمر، وفقد الرغبة في العودة الى البيت، فخطر له أن يقوم بجولة في القيصارية، عله يترصد حذاء على ذوقه.

فيستدير حول نفسه، وينخرط جسدا وسط الاجساد.

أجساد، تتضارب بالمناكب والأكتاف، تشق طريقها وسط كتل من اللحم المتحرك، وتكاد تتصادم في التقاطعات الضيقة والشديدة الازدحام حد الاختناق، وإذاك يستشعر شعبان يدا تعبث بجيبه، فلم يعرها اهتماما، ما دامت جيوبه خالية من أي شيء ثمين، واكتفى بتفقد حافظة الاوراق بجيب الصدر، ومشى بثقة، يتجول بين حوانيت الاحذية، يتفحص بعينه دون أن يمد يده أو يستفسر عن السعر، ما دامت كل الاحذية المعروضة تخالف ذوقه.

كل الاحذية التي تملأ الرفوف .أحذية ذات منقار حاد ومعقوف، كقرن كبش، لا يطيق حتى رؤيتها، فبالاحرى انتعالها. فتجدد لديه ذلك الشعور القديم الجديد، الذي يراوده كلما، اضطر لاقتناء حذاء جديد، بأن ذوقه تقليدي عفا عليه الزمن منذ وقت طويل، وابتلعته الموضة الجديدة بشراسة، وأصبح اللجوء لمحلات الاحذية المستعملة حله الوحيد  لتلبية رغبته على ذوقه.

عاد يجر قدميه المحشورتين في صندل مكشوف، جسدا متعبا دون رأس، يتمايل تمايل الثمل وما هو بالثمل، ارتفع بوق سيارة مارقة تنبيها لكلب كان بصدد العبور، فانتبه شعبان من شروده، فأدرك أنه قريب من الصراف، وابتهج باختفاء ذلك الطابور الطويل ،حينها صفا ذهنه، وخطا بخطوات مسرعة ، ويده الممسكة بالبطاقة تسبقه.

دس البطاقة في الشق بلهفة وشوق، وما لبثت إن اختفت، ولمعت عيناه، متحفزا للسحب، ثم التفت خلفه للإطمئان على خلو المكان وهو يفرك أصابعه المتجمدة.

عاد للسحب فقرأ بعينين، جاحظتين ،عبارة ظهرت على سطح الشاشة تقول:  تم رفض طلبكم لهذا السبب:

نثير انتباه زبوننا الكريم أن صلاحية بطاقته قد انتهت، ونوجه له الدعوة  لتحديث بطاقته، لدى أقرب وكالة من وكالاتنا القريبة من محل سكناه.

وشكرا.

تحرك شعبان، صدرا، يغلي غضبا، وشفتين،تشتمان وتلعنان، ذلك اليوم المشؤوم الذي رضخ فيه العمال، لإرادة الشركة في تغيير طريقة أداء  الرواتب من الكاش، الى تحويلات عبر حسابات بنكية تلزم العمال بفتحها قبل الاشتغال، وقدمين تجرجران صندلا في عز فصل الصقيع.

عبد الرحيم شهري (كاري)/ المغرب

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))