قلب البصلة







الأديب/ أحمد عيسي  / يكتب 

 قلب البصلة

بقلم/ أحمد عيسى

لا يزال الناس مختلفين منطلقاتٍ واتجاهات، اعتقاداً وفكراً، قناعةً وسلوكاً، أعرافاً وأذواقاً، رغم محاولات جيل الخبرات الموشك على الرحيل إنقاذ ذويهم وبنيهم وأحبابهم ومريديهم من التعثر والكبوات.. لكن ترى هل يستمع جيل الشباب لوعظ الشيوخ؟

وإلى قصتنا..

في جلسة أسرية دفيئة تحدث الأب "سعيد" مع أسرته عن الشراكة والشركاء، وأخبرهم أن الشراكة في غالبها لا تأتي بخير.

فهي مباءة خلافٍ واختلاف، وممحقة للبركة، ومدعاة للغبن والأثرة، هذه طبيعة الشراكة ودأب الخلطاء، اللهم إلا فيما ندر، وذلك حين تكون النفوس قانعة راضية، والأرواح نبيلة عُلويّة، بالإيمان واليقين مُرتوية.

لكنّ "عامر" ابن الحاج "سعيد" عارض رأي والده، وقال: الشراكة مرحلة تعاون وكفاح، ولا تضر شراكة مع أصدقاء معروفين، وأصحاب مُجربين، خاصّة أننا شباب ليس بمكنتنا بدء مشروع كامل مستقلين منفردين..

سعيد: يا بُني، لا تشارك أحداً في عمل أو سكن، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، وإن كان أخاك شقيقَك.

عامر: لستُ معك يا أبي، كأنك ترتدي منظاراً أسودَ، الناس بخير، وما كان في أوله شرط كان في آخره نور.

سعيد: يا بُني، إنك لن تعرف صاحبك أو شريكك حقاً إلا بعد أن تتعامل معه عن قُرب بَعد الشراكة والمخالطة، فالناس أوفياء صادقون عند الاتفاق والتحمُّل، لكنهم مختلفون متباينون وقت الأداء والعمل.

عامر: قد تعارفنا وتخالطنا، فكم لعبنا ولهونا حين كنا صغاراً، كما تزاملنا في الدراسة حين كنا شُبّاناً يافعين وطلاباً.

سعيد: يا بُني، الشخصيات تتغير بمرور الوقت، ثم إن فِتن العمل والتشارك غير محكَّات الطفولة والدراسة.

عامر: قلت لك يا أبي: إن أمور شراكتنا واضحة جداً، اتفقنا على المناصفة في رأس المال والأصول، والربح والخسارة، وكيفية التصفية والتخارج، ووثقنا ذلك كله عقوداً قانونية مُسجّلة.

سعيد: أخذتم بالأسباب الناجزة، وعملتم حساباً للتوجسات المادية المستقبلة، لكنكم غفلتم عن أطماع نفسية متوارية، وتغيرات قلبية مُباغتة أو طارئة.

عامر: أراك يا أبي، تضخّم الصغير، وتحقّر الكبير، إنها صداقة وصُحبة، زمالة وأُخوَّة، كلٌّ منا يتمنّى الخير لصاحبه ويرجوه.

سعيد: ستنجحان إن شاء الله ما دام ما تقول صحيحاً واقعاً، ما بقيتما على الوفاء والإخلاص والحبّ المتبادل.

عامر: ادعُ لنا يا أبي، فإن في دعائك خيراً وبركة.

وبعد أن أبرم "عامر" عقد الشراكة مع صديقه، وعقب التوثيق جلس الشريكان معاً في أول فطور عمل يجمعهما بالشركة.

كانا يتناولان وجبة إفطار رمزية لشراكتهما، وكان الطعام مكوناً من: طبقي فول مدمس، ورغيفي خبز، وأربعة أقراص طعمية، وبصلة واحدة.

اقتسم "عامر" الرغيفين والطعمية بينه وبين صاحبه بالسوية، كما تناول كل منهما طبق فول.

بعدها.. مد شريك "عامر" يده إلى البصلة، فهشمها بيده، سُرّ "عامر" بصنيع صاحبه الحريص على اقتسام البصلة بينهما، ثم سرعان ما دُهش "عامر" حين أخذ صاحبه قلب البصلة وترك له قشرها!

حينها تذكر "عامر" ما كان يتلوه أبوه آخر الجلسة من قوله تعالى:

{وَإِنَّ كثيراً مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص: 24]. صدق الله العظيم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))