قرّبها إلي(05):






الأديبة  / أناستاسيا امال  / تكتب 

 قرّبها إلي(05):

بعدما أسمعهما ضيغم المزعوم رده، سكنا في مكانهما مصعوقين، ولم تتمالك سعاد نفسها فجثت على ركبتيها قائلة: أرجوك يا بني لا تصدمنا بتدهور وضعك أكثر من هذا، كنا نعيش على أعصابنا وأنت في غيبوبتك، وبعدما فتحت عينيك أغلقت آخر نافذة أمل لنا بتحسنك بعدما تلفظت بقرابة عشرين سهما حارقنا لقلوبنا، فحملق فيها بعناء ولزم الصمت مخاطبا نفسه:" أيّ ورطة أوقعني فيها ذلك المنحدر اللعين، ترى ما علاقتي بولدهما، وهل سأحسن لهما وأدّعي أنّني هو، وبذلك أحكم بالموت على هويتي الأصلية سديم القاضي؟!"، وهو على تلك الحال من الشرود ضمّه يوسف قائلا:" سامحني يا بني الغالي، لو كنت ميسور الحال، ما تركتك للظلام ينهش شبابك وكرامتك"، فازداد ذهوله ولزم الصمت والدمع يحاول النزول، لكن صلابته تمنعه بقوة......

في بيت آل القاضي، اقترح كميت على عائلته مغادرة البلاد حتى تخرج كل حمم بركان بطرس، فتشاوروا في الأمر، وأذعنوا لاقتراحه مسافرين إلى إسبانيا في ضيافة عائلة ستيفاني، هناك وبمضي الوقت تلمسوا السعادة وراحة البال، وتناسوا الخطر المحدق بهم إلى حين.......

في منتصف الليل، وبانقضاء يومين رنّ هاتف ضيغم فخضّ قائما من سريره واستقبل الاتصال، فقال له صديقه الهاكر:

" أين أنت يا رجل؟!، الشرطة كشفت صديقنا المنظم حديثا للجماعة، وأكيد أنّه سيدلي بشهادته علينا جميعا، لذا يجب عليك مغادرة البلاد في الحال، وأنا أقترح عليك مرافقتي في دربنا الواحد، وأمام محطة القطار أنتظر قدومك الآن بتذكرتين"، فاعتذر منه وأعلمه بالحادث الذي تعرض له، فتمنى له الشفاء العاجل، وترجاه أن يتواصل معه على الدوام، فقال له:" أبشر لك ذلك يا منية القرصنة، وعلة ثرائي يا صديقي....."، وأغلق الخط. استجمع ضيغم المزعوم قواه مغادرا السرير، غسل يديه وحاول مسح ناصيته، ثم نزع جزء من الضمادة تاركا فقط الملتصقة بموضع الفكين والذقن، ارتدى ملابسه وغادر المشفى متجها إلى بيته، لما توقفت سيارة الأجرة بجانبه نزل منها واتّجه إليه في شوق غامر، دقّ على الباب عدّة مرات، ثم رنّ على الجرس، ولكن لا مجيب له، فنادى بأعلى صوته جاثيا على ركبيته:" أخي أرجوان، خالي كميت، أمي، لقد عدت، أين أنتم، لم لا تردون علي؟!"، فشرع جرحه ينزف من جديد، أنَّ بشدة وجرَّ خطاه باكيا بلوعة، وما إن ناصف الطريق وعلى الرصيف، أمر سائقه فتوقف أمامه، فتح نافذة السيارة وخاطبه بصوت مشفق:" هيا لنريك وجهتك إن كنت ضائعا. نظر إليه بعياء وخر ساقطا على الأرض، فأدخله السائق إلى السيارة، جس نبضه بطرس وقال:" بسرعة إلى عيادتي الخاصة فجسده ملتهبا"، فانصاع لأمره، تأمل فيه طيلة الطريق وابتسم بعلو كعب حظه، وهاتف الشاب يرن بين يديه، فيوسف خض لما علم بمغادرته المشفى، تعجب بطرس قائلا:" من هذا يوسف الذي سجله باسم"أبي"، فآل القاضي لا يوجد فيهم هذا الاسم إطلاقا، عموما سأعلم بحقيقته بعد حين"، ومضت ساعات الليل، وفي صبيحة الغد تناول فطوره بجانب مريضه المدلل، ولزم انتظاره حتى استفاق، قال له:" مرحبا بك بيننا سديم"، تفاجأ ولزم الصمت، فسأله عن حقيقة يوسف، فرد عليه:" إنّه أبي وأنا لست سديم، أنا ضيغم لِجاد"، اندهش وتأمل فيه لبرهة ثم قال:" إنك تشبهه تماما، وانهرت أمام منزلكم بعدما علمت برحيلهم عنك"، فقال له:" ما قلته هو الحقيقة ولن أقول غيرها، ولا أجيد المداهنة يا سيّد". رد عليه:" حسن لنفترض أنك صادق، هل تعمل عندي لمدة ثلاث ساعات وستتحصل على مبلغ مالي محترم، نظر إليه بمكر واستفسر عن طبيعة ذلك العمل، فأعلمه به؛ لينتصب شعر رأسه ويجمد لسانه مصعوقا على الرد. رنا إليه مبتسما وقال:" ألم أقل لك إنّك سديم، كيف ستؤذي عائلتك، وتسلمني ما تعبتم في الحصول عليه لسنين"، ابتلع ريقه متصلبا، ونطق لسانه بما أدهش بطرس:" أنا ضيغم، ولن أقبل عرضك هذا لأنني لست سارقا أو مجرما، ومالك ذلك ضعه في إناء كبير واسكب  عليه الماء ، دعه يتحلل فيه طيلة الليل، وفي الصباح ليكن أول ما تشربه على الريق، وستكره النقود طيلة ما تبقى لك من عمرك"، لم يتمالك نفسه وصفعه بقوة قائلا :

" ستنجز لي ما طلبته منك وإلا سأقطعك إربا إربا، وأدمر كلتا العائلتين الحقيقية لك والمزيّفة، عِ ذلك جيدا، أنتظر ردك بعد ساعة" وانصرف، أعاد وضع الضمادة على جرحه ولم يبال بتهديده.........، وما في أفق الغد يتوعد بعدّة عواصف لتوأم الزمان...........يُتبع.......

أناستاسيا آمال

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))