أسرار المستقبل


       




 

الكاتب  / أحمد سليمان  / يكتب 

 قصة قصيرة:

***

أسرار المستقبل 

لم تدع صخرةً ولا دوحةً كانا يجلسان عليها أو يفيئان إلى ظلها إلا ووقفت وانتحبت عندها طويلًا وما زالت كذلك حتى جثت عند آخر دوحة وتنهدت تنهيدة طويلة كادت تنقطع لها حيازيمها. ثم عادت إلى الدار وانكبت على صورته تغمرها بدموعها وقبلاتها وهي تقول: 

 (ما دامت الحـــياة شقائي وعذابي،  فالموت سعادتي وهنائي. كم أني ملتاعة لللحاق به في عليائه حتى أعيش بجانبه العيش الذي أرجوه وآمله، ولا أوثر عليه عيشًا سواه، فلا خير في الحياة من بعده،وما أشوقني إلى الموت الذي يدنيني منه). 

 ثم سكنت سكون من نفضت يدها من هذه الحياة، وألا يد تستطيع أن تديرها  إلى وجهةٍ غير وجهتها التي تسير فيها غير يد الله..

قضيت ليلة ليلاء ذاهلة النجم بعيدة ما بين الطرفين، حتى انبثق نور الفجر؛فاستفاقت، وتحولت بعد عناء إلى أريكة قرب النافذة وأخذت تنظر إلى البعيد بعينين زجاجيتين كأنها فقدت إدراكها، ثم بدأت تهمس في نفسها قائلة: لقد كان كل ما أسعد به في هذه الحياة أن أعيش بجانب ذلك الإنسان الذي أحببته وأحببت نفسي من أجله، وقد حيل بيني وبينه فلا أسف على شيء بعده..ثم شعرت بضيق شديد وأصبحت الدموع المتدفقة من عينيها أكثر غزارة وهي تتمنى أن تتصدع الأرض أسفلها فتبتلعها وتخلّصها من هذا العذاب، ثم ما لبثت أن انسلت من غرفتها انسلالا من حيث لا يشعر بها أحد،وعبرت فناء الدار بجرأة ودون تردد، ثم اتجهت يمينا نحو الدهليز المؤدي إلى البوابة،فتحت البوابة وسرعان ما أغلقتها ببطء، ثم ثوقفت لحظة أدركت خلالها أن إغلاق البوابة إنما يعني إغلاق جزء من وجودها، فأوشكت على البكاء،لكنها أدارت ظهرها بقلب مثقل وجدت في السير والابتعاد عن الدار. لم تكن تعرف إلى أين تسير، ولم يكن يهمها ذلك كثيرا،فهي تريد فقط أن تهرب وتمضي إلى أي مكان،وفجأة قفزت إلى ذهنها فكرة أن تلقي بنفسها في النهر، فقادتها خطاها إلى هناك، وعند الشاطئ، سمعت صوتا يصدر من أعماق النهر وهو يخاطبها قائلا: ألا تخشين عاقبة ما أنت مُقدمة عليه؟

 فصرخت قائلة وقد استبد بها الفزع: من أنت؟

فرد عليها:أنا النهر الذي تجلسين عند حافته، لقد ألممت بشيء من أمرك، فأردت أن أُخرجك من ظلام الماضي وعتمة الحاضر إلى نور المستقبل.

فقالت: ولكنك لا تعرف شيئا عما أنا فيه.

فرد عليها: بل أعرف رفض والدك لزواجك ممن تحبين؟

قالت: إنه ظلم جعل حياتي جحيما لا تطاق، وكم أني راغبة في أن ألقى بنفسي في أعمائقك هربا مما أنا فيه ويصبح من التعذر رؤيتي مرة أخرى..

فتبسم في وجهها وقال لها:

أتراني سفّاحا يهدم الحياة..لا يا عزيزتي، أنا خُلقت لأبعث الأمل والحياة في النفوس لا أن أُزهقها..يا عزيزتي..فأنت تتوهمين أنك  بلا مستقبل، ولكن المستقبل موجود، وإن كان صدره مملوءٌ بالأسرار وتحوم حوله البصائر، ولا يبوح بسرٍّ من أسراره إلا إذا جاد البحر بالماء الزلال! وبالرغم من أن المرء اخترق بذكائه الكثير من أبواب المعرفة،لكنه سقط أمام باب المستقبل عاجزًا مقهورًا لا يجرؤ على فتحه، بل لا يجسر على قرعه؛ لأنه باب لله  سبحانه وتعالى والله لا يطلع على غيبه أحدًا. فشبح المستقبل  ملثَّم بلثام الغيب،لا يستطيع كائن من كان أن يستشف صورته من وراء هذا اللثام المسبل، وإن طارت القلوب شوقًا إليه،وذابت الأكباد وجدًا عليه، ولكنه موجود،وسيظل بنو البشر  أحياءً بالآمال وإنْ كانت بعيدة وسعداء بالأماني وإنْ كانت عصيّة..لقد ذهبت إلى النهر بقلب ملفف مدخول لا يفارقه السخط على البشر وعادت بقلب نقي طاهر يأنس بالعفو ويستريح إلى العذر..ومرت الأيام وزفّها والدها إلى حبيب جديد فعاشا في انفرادهما وسكونهما وهنائهما وغبطتهما عيش آدم وحواء في جنتهما، قبل أن يأكلا من الشجرة ويهبطا إلى الأرض.

***

بقلم الكاتب: أحمد سليمان

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))