((( نصيب )))

                       غزلان شرفي .يكتب                   *********نصيب*********
استقبلت ربيعها العشرين بفرحة كبيرة،كونها أصبحت مؤهلة للانضمام إلى مصاف الوجوه المرشحة للخطبة من قبل شباب بلدتها الصغيرة،وبالتالي الانتقال إلى مرحلة جديدة من حياتها،ولعلها الأهم على الإطلاق،تلك التي ستتوجها ملكة على عشها،المسؤولة عن تسيير شؤونه وإدارته؛صحيح أن قريناتها اللواتي غادرن أحضان الأسرة إلى بيت الزوجية فعلن ذلك في سن أبكر منها،إلا أن الأمر لم يشغلها كثيرا، المهم ألا تتخطى العشرين وهي لازالت في بيت والديها. 
مر الشهر الأول بين الترقب والرجاء،إلى أن لاحظ والداها تغيرا طفيفا في حالتها الصحية،مصاحبا بعطش كبير،لم يتوان الأب عن أخذها لزيارة طبيب المستوصف،الذي أحالها على المختبر   لإجراء التحاليل الضرورية،والتي كشفت إصابتها بمرض السكري.
كان وقع الخبر شديدا على الشابة الفتية المتفجرة طاقة وحيوية،وعلى والديها كونها وحيدتهما بين ثلاثة ذكور،كان الداء المزمن يتطلب حقنا يوميا بالأنسولين،مما شكل لديها عائقا لتحقيق حلمها في الارتباط،فما إن يعرف الخاطب المفترض بإصابتها حتى يوليها ظهره دون رجعة.
توالت الأيام والشهور برتابة مملة قاتلة،وتوالت معها خيباتها وانكساراتها،وجفت مآقيها لكثرة ماذرفت من دموع وهي تشهد - من بعيد-ارتباط فتيات بلدتها تباعا.
اتصال هاتفي مفاجئ قلب الأمور فجأة، وبعث الأمل المدفون في زوايا الفؤاد الكسير،إنه والد أحد شباب الضفة الأخرى من بلدتها يبغي تحديد موعد من أجل القدوم لطلب يدها.ما إن أغلق الأب السماعة،حتى ارتمت الشابة في أحضانه باكية،مسح دموعها بكفه وربت على كتفيها بحنان،رفعت نحوه رأسها وملامحها تئن من الألم ،ترجته أن يكتم أمر مرضها عن العريس القادم وعن أسرته.تحركت عاطفة الأبوة داخله بقوة ،فلم يجد بدا من موافقتها على طلبها رغم عدم اقتناعه بالأمر.
مرت مراسم الخطبة،وبعدها الزواج بسرعة،لتجد الفتاة نفسها في بيت الزوجية،كانت تخشى من ردة فعل زوجها حين اكتشافه أمر مرضها الذي أخفته عنه،وما كانت لتستطيع إخفاءه أكثر،مما نغص عليها سعادتها بحياتها الجديدة.  
وحدث ما كانت تخشاه،أحس الزوج بالخديعة،ولم تشفع توسلاتها لديه ولا تفانيها في خدمته وتدليله،فطلب منها مغادرة البيت دون رجعة.
لم تتأخر ورقة طلاقها كثيرا في الوصول هي أيضا،وكأنها إشعار لها بكونها أنثى (غير كاملة).كان وقع الأمر عليها شديدا لدرجة كادت معها أن تفكر في وضع حد لحياتها،ولم ينتشلها من دوامتها سوى تعود أذنيها على سماع آذان الفجر عند مطلع كل يوم جديد،نظرا لمجافاة النوم لها.كانت ألفاظ المؤذن تشعرها بالراحة والسكينة،فبدأت تستعيد توازنها النفسي رويدا رويدا،إلى أن فاجأت والديها برغبتها في استثمار طاقتها المتوارية خلف ستار المرض والخوف،ذلك أنها كانت تهوى جمع النباتات العطرية وتقطيرها.  
بدأت العمل لوحدها في بدايتها،وشيئا فشيئا بدأت فتيات البلدة ونساؤها يشاركنها العمل،فكبر لديها التحدي،وكبر الأمل........
ها هي اليوم رئيسة أكبر جمعية لتسويق النباتات العطرية ومستخلصاتها بالمنطقة،بدأت تشارك في معارض محلية ووطنية،وذاع صيتها في هذا المجال،إلى أن عقدت شراكة مع مقاولة أجنبية من أجل التصدير إلى الخارج......
في ملتقى طرق،وأمام الإشارة الضوئية،تراءى لها طيفه من بعيد،أنزلت زجاج السيارة،وأزالت نظارتها الشمسية لتدقق النظر أكثر،أجل إنه هو،رغم أن عشرتهما لم تدم طويلا،إلا أن ملامحه حفرت بالدم داخل كيانها، فالجرح الذي خلفه في أعماقها لازال ينزف،وهيهات له أن يندمل ،أجل إنه هو،من طعنها بسكين ذي نصل بارد برودة مشاعره حينها، لقد غدا مجرد بائع  كشك بسيط،....
لم يخرجها من تأملاتها إلا صوت ابنتها وهي تحثها على الإقلاع،فالإشارة غدت خضراء......
✏غزلان شرفي

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

(((( أبت الحقارةُ أن تفارِقَ أهلها. ))))

يا من تراقبني بصمت

((((( قلت لأحلامي تعالي فتعالت. ))))