((( قصف قصيرة ))) الشاعر شريف عبد الوهاب
قِصَّةٌ قَصِيرَةٌ
(قَصْفٌ
وَحِصَارٌ)
.........
قَامَ أَحْمَدُ يَعِدُ الإِفْطَارَ وَيُحَضِّرُهُ لِاِبْنِهِ الصَّغِيرِ بِاسْمِ وَاِبْنَتِهِ رَبَابُ وَبَيْنَمَا هُوَ فِي المَطْبَخِ سَمْعٌ صَوَّتَا قَوِي وَكَأَنَّهُ صَوَّتَ ضَجِيجُ طَائِرَاتٍ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ أَكْمَلَ أَحْمَدُ عَمَلَهُ
بِقَلَم
شَرِيف عبدالوهاب العسيلي فِلَسْطِين
(قَصْفٌ
وَحِصَارٌ)
.........
قَامَ أَحْمَدُ يَعِدُ الإِفْطَارَ وَيُحَضِّرُهُ لِاِبْنِهِ الصَّغِيرِ بِاسْمِ وَاِبْنَتِهِ رَبَابُ وَبَيْنَمَا هُوَ فِي المَطْبَخِ سَمْعٌ صَوَّتَا قَوِي وَكَأَنَّهُ صَوَّتَ ضَجِيجُ طَائِرَاتٍ يَأْتِي مِنْ بَعِيدٍ أَكْمَلَ أَحْمَدُ عَمَلَهُ
بَيْنَمَا أَطْفَالُهُ بِاسْمِ وَ رَبَابُ كَانَا يَنْتَظِرَانِهُ عَلَى المَائِدَةِ حَتَّى يَأْتِيَ بِالشَّايِ زَادَ اِرْتِفَاعَ الصَّوْتِ مُدَوِّيًا بَدَأَ أَحْمَدُ يَشْعُرُ بِالخَوْفِ وَالقَلَقِ بَدَأَ عَقْلُهُ يَتَهَيَّأُ لِشَيْءٍ مَا وَقَلْبِهِ صَارَ يَخْفِقُ شَعْرٌ فِي حِينِهَا بِأَنَّ شَيْءٌ سُرْعَانَ مَا سَيَحْدُثُ هَكَذَا حَاكَاهُ إِحْسَاسَهُ بَدَأَتْ أَعْمِدَةُ المَنْزِلِ تَهْتَزُّ حِينُهَا تَيَقَّنَ فِي نَفْسِهُ أَنَّهُ هُوَ المَقْصُودُ وَالمُسْتَهْدِفُ وَأَنَّ تِلْكَ الطَّائِرَاتُ الَّتِي أَصْدَرَتْ أَصْوَاتٍ مُدَوِّيَةٍ وَقَوِيَّةٍ قَرِيبَةً لِمَنْزِلِهِ جِدًّا وَأَنَّهَا حَتْمًا تَسْتَهْدِفُ مَنْزِلَهُ حِينُهَا تَرَكَ أَحْمَدَ مَا بِيَدِهِ وَاِتَّجَهَ إِلَى حُجْرَةِ الصَّالُونِ وَصَارَ يُنَادِي أَبْنَائِهِ وَيَقُولُ لَهُمَا: هَيَّا بِنَا يَا أَبْنَائي لِنَخْرُجْ مِنْ البَيْتِ بسىرعة. قَالَ بِاسْمِ: أَبِي إِلَى أَيْنَ? نَحْنُ نُرِيدُ أَنْ نَتَنَاوَلَ وَجْبَةَ الإِفْطَارِ وَنَشْرَبُ الشَّايَ أَنَا وَأُخْتِي جَائِعَانِ لَكِنْ أَحْمَدُ لَمْ يَسْمَعْ مَا قَالَهُ اِبْنُهُ مِنْ كَثْرَةِ اِنْشِغَالِ دِمَاغِهِ بِالتَّفْكِيرِ تُجَاهَ هَذَا الأَمْرِ المُفَاجِئُ المُرِيبُ فَقَبَضَ عَلَى يَدَيْهِمَا دُونَ أَنْ يَرُدَّ بِبِنْتَ شُفْهُ ثُمَّ قَامَ بِفَتْحٍ بِأبَ المُنْزَلِ وَطَلَبَ مِنْهُمَا الإِسْرَاعُ فِي نُزُولٍ الدَّرَجَ حِينُهَا شَعَرَ أَحْمَدَ بِأَنْ أَصْوَاتُ الطَّائِرَاتِ صَارَتْ فَوْقَ مَنْزِلِهُ فَصَارَ يَرْكُضُ خَائِفًا مُمْسِكًا بِأَيْدِي صِغَارُهُ لِكَيْ يَبْتَعِدُ عَنْ المَنْزِلِ مَسَافَةٌ كَبِيرَةٌ, كَانَ يَرْكُضُ ثُمَّ يَلْتَفِتُ إِلَى الخَلْفِ وَيُنَاظِرُ بَيْتَهُ وَكَأَنَّهُ كَانَ يُودِعُهُ وَبَعْدَهَا حَدَثَ مَا تَوَقَّعَهُ!! فَقَدْ قَصَفْتُ الطَّائِرَاتِ مُنْزَلَةٌ بِقَذِيفَةٍ جَعَلْتُ المَنْزِلَ حُطَامًا وَرَمَادًا اِهْتَزَّ مِنْ شِدَّتِهَا الحَيِّ بِأَكْمَلِهُ.. وَقَفَ أَحْمَدُ يَنْظُرُ لِهَذَا المَشْهَدِ مِنْ بَعِيدٍ وَالوَلَدَانِ يَرْتَعِدَانِ بِدَاخِلِ صَدْرِهِ وَأَصْوَاتِ دِقَّاتِ قَلْبِهِمَا تَتَنَاغَمُ مِنْ صَوْتِ دِقَّاتِ قَلْبِهِ فَجْأَةٍ!! رَأْيُ طَائِرَةٍ تُحَوِّمُ وَتَقُومُ بِإِنْزَالٍ بَعْضٌ مِنْ الجُنُودِ عَبْرَ المِظَلَّاتِ حِينُهَا تَيَقَّنَ وَعَرَفَ أَحْمَدُ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ القَبْضَ عَلَيْهِ حَيًّا أَوْ مَيِّتًا اِخْتَبَأَ أَحْمَدُ هُوَ وَأَبْنَائِهِ خَلْفَ سِوَارٍ مُغَطًّى بِأَشْجَارٍ مِنْ النَّخِيلِ وَالصَّنَوْبَرِ فِي نَفْسِ الحَيِّ وَقَرِيبٍ مِنْ مَنْزِلِهِمْ الَّذِي أَصْبَحَ رَمَادًا بَيْنَمَا أَحْمَدَ وَأَبْنَاءَهُ يَرْتَجِفُونَ خَوَّفَا وَفَزَعًا وَالصَّمْتَ لَا يَخْتَرِقُهُ سِوَى أَنَّاتٍ ضَعِيفَةً وَاهِنَةٌ يُصْدِرُهَا الصَّغِيرَانِ شعرأحمد بِأَنَّ شَيْءٌ سَاخِنٌ يُسِيلُ عَلَى يَدِهِ أَخْذٍ يَتَفَحَّصُ نَفْسَهُ يَدُهُ فَوَجَدَ قَطَرَاتٍ مِنْ دَمٍ بِهَا وَلَكِنَّهُ لَا يَشْعُرُ بِأَلَمٍ فَمِنْ أَيْنَ جَاءَتْ? أَخْذٌ يَتَفَقَّدُ اِبْنَتَهُ رَبَابُ لَمْ يَرَ شَيْءٌ بِهَا هِيَ سَلِيمَةٌ ثُمَّ نَظَرَ (21) إِلَى اِبْنِهِ بِاسْمِ فَإِذَا بِهِ أُصْبِحُ شَاحِبٌ اللَّوْنِ بَدَأَ يَتَفَحَّصُهُ فَإِذَا بِهِ يَرَى دِمَاءًا تُسِيلُ مِنْ كَتِفِهِ الأَيْمَنُ حِينُهَا عَرَفَ أَحْمَدُ أَنَّ شَظِيَّةً مِنْ الصَّارُوخِ الَّذِي قَصَفَ مَنْزِلَهُ قَدْ أَصَابَتْ اِبْنَهُ وَهُنَا شَعَرَ أَحْمَدُ بِعَجْزِهِ أَمَامَ أَلَمْ اِبْنَةً فَضَمُّهُ لِصَدْرِهِ وَالحَيْرَةِ وَالحُزْنِ يَتَمَلَّكَانِهُ, صَارَ الصَّغِيرَ يَتَأَلَّمُ وَيَتَبَاكَى أَمَامَ شَقِيقَتِهِ وَ وَالِدِهِ وَضَعَ أَحْمَدُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَشَعَرَ بِاِرْتِفَاعِ حَرَارَتِهِ فَزَادَ خَوْفُهِ وَاِرْتِبَاكُهِ عَلَى اِبْنِهِ بِاسْمِ مِنْ جَانِبِ خَشْيَةٍ أَنْ يَمُوتَ أَمَامَ عَيْنَيْهِ وَمِنْ جَانِبِ آخَرَ قَصَفَ مَنْزِلُهُ وَمُحَاصَرَتُهُ مِنْ قِبَلِ العَدُوِّ وَهُوَ لَا يَسْتَطِيعُ الظُّهُورَ أَوْ الهُرُوبَ هُوَ وَأَبْنَائِهِ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُفَكِّرَ بِسُرْعَةٍ بَالِغَةً حَتَّى هَدَاهُ اللهُ لِلقَرَارِ السَّلِيمِ لِإِنْقَاذِ اِبْنِهِ وَبِسُرْعَةِ الْبَرْقِ تَغَلَّبَتْ عَاطِفَةُ الأُبُوَّةِ عَلَى كُلِّ قَرَارَاتِ المَنْطِقِ وَالعُقَلِ فَخْرُج أَحْمَدُ يُصَرِّخُ عَلَى الجُنُودِ وَيُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتَهُ وَيَقُولُ أَنَا هُنَا أَنَا هُنَا وَهُوَ يُلَوِّحُ لِهُمْ بِقَمِيصِهِ الأَبْيَضِ وَحِينِهَا شَاهَدَهُ عَدَدٌ مِنْ الجُنُودِ وَهُوَ يُلَوِّحُ لِهُمْ بَدَأُوا بِالاِقْتِرَابِ مِنْهُ وَلَكِنَّ بِحَذَرٍ شَدِيدٍ وَخَاصَّةً عِنْدَمَا عَرَفُوهُ وَهُمْ يَعْرِفُونَ بُطُولَاتِهِ فِي المَعَارِكِ وَيَعْرِفُونَ عَنْهُ أَنَّهُ شَدِيدٌ, عَنِيدٌ وَقَوِي اِقْتَرَبُوا مِنْهُ مُصَوَّبِينَ أَسَلَّحْتَهُمْ نَحْوُهُ وَفَجْأَةُ ظَهْرِ كَبِيرِهِمْ فِي المُقَدِّمَةِ وَطَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَنْبَطِحَ أَرْضًا وَأَنْ يَثْبُتَ فِي مَكَانِهِ وَلَا يَتَحَرَّكُ ثُمَّ قَامَ أَحَدُ الجُنُودِ بِوَضْعِ الأَغْلَالِ وَالسَّلَاسِلِ عَلَى يَدَيْهِ وَقَدَمَيْهِ فَصَرَّخَ أَحْمَدُ قَائِلًا أَيُّهَا الجُنُودَ الآنَ أَنَا أَصْبَحْتُ بَيْنَ أَيْدِيكُمْ أَرْجُوكُمْ أَنْ تُنْقِذُوا اِبْنِي بِاسْمِ فَقَدْ أُصِيبُ بِإِحْدَى الشَّظَايَا أَثْنَاءَ قَصْفِ المَنْزِلِ وَهُوَ صَغِيرٌ وَلَا ذَنْبَ لَهُ وَلَكِنَّ لَا حَيَاةَ لِمَنْ تُنَادِي فَلَمْ تَأْخُذْهُمْ شَفَقَةٌ وَلَا رَحْمَةُ بِهِ, فَقَامَ عَدَدٌ مِنْ الجُنُودِ بِالصُّعُودِ إِلَى إِحْدَى المَرْكَبَاتِ العَسْكَرِيَّةِ وَبِرِفْقَتِهِمْ أَحْمَدُ وَهُوَ مُكَبَّلٌ بِالسَّلَاسِلِ فَصَارَ يَنْظُرُ إِلَى اِبْنِهِ مِنْ بَعِيدٍ يَتَمَزَّقُ أَلَمًا وَقَلْبُ أَحْمَدَ يَعْتَصِرُ أَلَمًا أَكْبَرَ مِنْهُ وَبَعْدَهَا قَامَ الجُنُودَ بِسِيَاقٍ أَحْمَدُ إِلَى السِّجْنِ وَمَرَّتْ شُهُورٌ وَهُوَ فِي سَجَنَهُ وَلَّا يُعْلِمُ كَمْ سَيَمْضِي عَلَيْهِ مِنْ الشُّهُورِ وَالأَعْوَامِ دَاخِلَ السِّجْنِ وَفِي يَوْمٍ مِنْ الأَيَّامِ سِيقَ أَحْمَدُ إِلَى قَاعَةٍ المُحْكَمَةِ لِمُحَاكَمَتِهِ حِينَهَا أَصْدَرَ القَاضِي حُكْمًا عَلَيْهِ بِالسَّجْنِ المُؤَبَّدِ مَا يُقَارِبُ مِنْ 25 عَامَ لَمْ يَهْتَمَّ بِقَرَارٍ المُحْكَمَةُ وَحَكَّمَهَا الجَائِرُ فَهَلْ يَتَوَقَّعُ مِنْ مِنْ عَدُوِّهِ غَيْرُ الظُّلْمَ وَلَكِنَّ قَلْبُهِ وَعَّيْنَاهُ كَانَا مَصْلُوبَانِ عَلَى وَلَدَيْهِ حَتَّى وَإِنَّ تَحَجُّرَ دَمَّعَ الفِرَاقُ بِمُقْلَتَيْهِ إِلَّا أَنَّ رُؤْيَةً سَامَرَ دَاخِلَ القَاعَةِ سَلِيمَ مُعَافًى وَبِجِوَارِهُ رَبَابُ كَانَ كَبَلْسَمِ وَضْعٍ عَلَى جِرَاحَةِ فطببها فَقَدْ قَامَ أَحَدُ الأَقَارِبِ بِإِحْضَارِهِمَا للمحكمه لَيَرَا وَالِدَهُمَا وَلِيُطَمْئِنَ قَلْبَهُ عَلَيْهِمَا هَذَا القَرِيبُ الَّذِي شَاءَتْ العِنَايَةُ الألهية فِي ذَلِكَ اليَوْمَ المَشْؤُومُ أَنْ يَسْمَعَ أَنَّاتِ الصَّغِيرِ وَبُكَاءَ أُخْتِهِ بَيْنَ الأَشْجَارِ لِيَقُومَ بِإِسْعَافِهِ وَنَقْلِهِ لِأَقْرَبِ مَشْفًى ثُمَّ التَّكَفُّلُ بِهِمَا وَرِعَايَتُهِمَا هُوَ وَزَوْجَتُهُ العَاقِرِ لِيَكُونَا بِمَثَابَةِ اِبْنَيْنِ لَهُمَا.... لِمَتَى? لَا أَحَدَ يَعْلَمُ بَعْدَ أَنْ صَارَ الحُكْمُ مُؤَبَّدٌ وَالأَمَلُ فِي خُرُوجِ الأَبِ يَكَادُ يَكُونُ مَعْدُومًا سَمِعَ الطِّفْلَانِ النُّطْقَ بِالحُكْمِ وَحُزْنَا كَثِيرًا عَلَى مَا جُرِّي لِوَالِدِهِمَا وَلَكِنَّ رَحْمَةُ اللهِ فَاقَتْ رَحْمَةُ الوَالِدِينَ... مَرَّتْ أَيَّامٌ وَأَيَّامٌ وَذَهَبَتْ رَبَابُ إِلَى مَدْرَسَتِهَا كَعَادَتِهَا فَدَخَلَتْ قَاعَةَ التَّدْرِيسِ وَكَانَتْ حِصَّةَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ , طَلَبَتْ المُعَلِّمَةُ مِنْ طُلَّابِهَا أَنْ يُحْضِرُوا لَهَا مَا خَطَتْهُ أَقْلَامُهُمْ فِي مَوْضُوعِ الإِنْشَاءِ الَّذِي طَلَبَتُهُ مَنِّهُمْ وَجَاءَ دَوْرَ رَبَابَ فَطَلَبَتْ مِنْهَا المُعَلِّمَةُ أَنْ تَقْرَأَ مَا كَتَبَتْهُ أَمَامَ الجَمِيعِ بِصَوْتٍ مُرْتَفِعٍ فَدَمَّعْتُ عَيَّنَ المُدَرِّسَةَ وَنَظَرَتْ إِلَى رَبَابَ نَظْرَةٌ حَانِيَةٌ ثُمَّ تَقَدَّمَتْ نَحْوَهَا وَاِحْتَضَنَتْهَا فأدمعت أُعِينَ الطُّلَّابُ وَصَارُوا يُصَفِّقُونَ لِزَمِيلَتِهِمْ وَقَالَتْ المُعَلِّمَةُ لِطُلَّابٍ بِرَأْيِكُمْ كَمْ عَلَّامَةٌ تَسْتَحِقُّ رَبَابُ لِمَوْضُوعِهَا الإِنْشَائِيِّ فَقَالَ أَحَدُ الطُّلَّابِ تَسْتَحِقُّ أَعْلَى عَلَامَةِ إنتهى.....
........بِقَلَم
شَرِيف عبدالوهاب العسيلي فِلَسْطِين
تعليقات
إرسال تعليق